مقدمة
عرفت الشعوب والأمم وجميع المجتمعات الإنسانية التحكيم منذ القدم في مختلف الأزمنة والعصور كوسيلة بديلة عن القضاء لفض المنازعات التي قد تنشأ بين الأفراد والجماعات، ويتم التحكيم من خلال اتفاق بين الخصوم على حَكَم يحكم بينهما، فكثيرًا ما يبتعد أصحاب الحق عن المحاكم لاستخلاص حقوقهم عن طريق القضاء ويفضلون الاتفاق مع خصومهم لتحكيم من يرضونه ليحكم بينهم بالحق بعد أن ينظر في خصومتهم ويسمع فيما بينهم، وكان التحكيم من مرتكزات نظام القضاء في الإسلام، حتى أنه في زمن العرب قبل الإسلام اشتهر بينهم أشخاص معينين يلجأ أليهم الأفراد للفصل في الخصومات التي تنشأ فيما بينهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من الأفراد الذين يثق مجتمعه أن ذاك الوقت في حكمه، وأشهر القصص على ذلك هي قصة تحكيمه صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود. وتزداد أهمية التحكيم يومًا بعد يوم منذ القدم حتى غدا في عصرنا اليوم من أبرز الوسائل البديلة التي تحسم النزاع وتحقق الغرض من اللجوء إلى القضاء بطريق أيسر وبإجراءات أسهل وخصوصًا في المنازعات التجارية حيث صار التحكيم فيها مظهرًا من مظاهر العصر، لا سيما وقد انتشرت مراكز التحكيم المحلية والإقليمية والدولية انتشارًا واسعًا، واكتسبت اتفاقيات التحكيم قوةً وزخمًا كبيرين نظرًا لاعتراف الأنظمة القانونية على اختلافها بالتحكيم، وسن التشريعات المنظمة له، التي تكفل الاعتراف بأحكامه وتكسبها القوة التنفيذية تمامًا كأحكام القضاء. وفي العصر الحديث مع تقدم المجتمعات وتطورها من جميع النواحي، ظهرت الحاجة لحل النزاعات بين الأفراد والشركات والمؤسسات، فلجأت الدول إلى إنشاء أنظمة متعلقة بالتحكيم بهدف ضبطه وحماية مصالح وحقوق أطرافه، ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية.
مع تطور المجتمعات الإنسانية تعددت الحاجات والخلافات ونشأت المصالح المتعارضة ولجأ الأشخاص إلى طرح خصومتهم على شخص أو أشخاص معينين للفصل فيها دون الحاجة للرجوع إلى القضاء، وقد أجازت الدول التحكيم، وسنت له أنظمة مفصلة، ومن ضمنهم المملكة العربية السعودية. فما هو التحكيم؟ وما موقف الأفراد والدول منه؟ وما الفرق بينه وبين القضاء؟ وما شروطه وإجراءاته وأنواعه؟
تعود أهمية البحث إلى أهمية التحكيم منذ القدم إلى عصرنا هذا، إذ تحتاج له المجتمعات في كثير من النزاعات التي يفضلون عرضها على أشخاص يثقون بحكمهم ولما فيه من سرعة فصل النزاعات مقارنة بالقضاء. ودراسة التحكيم في نظام المملكة العربية السعودية له أهمية في ظل التطورات الاقتصادية التي تشهدها حيث أن كثير من النزاعات في المملكة يتم الفصل فيها عن طريق التحكيم.
لأهمية التحكيم فقد تناوله الكثير من الباحثين بالبحث والدراسة عن كل نواحيه حتى أصبح كل محور من محاوره يمثل موضوعًا للبحث والمناقشة، وقد أحببت الباحثة البحث في التحكيم لمعرفة ما هو التحكيم، وأساسه، ونشأته، وأنواعه، وشروطه، ومزاياه، وعيوبه، وإجراءاته، والفرق بينه وبين القضاء، وجوانبه المحلية والدولية، وغيره.
مفهوم التحكيم
يعتبر التحكيم قضاء، ولكنه قضاء من نوع آخر. قضاء كوّنته الإرادة المشتركة للطرفين. وقد عرّف العلماء التحكيم بأنه "تولية خصمين حكمًا يحكم بينهما". وعرّفه آخرون بأنه "رضا طرفي النزاع بعرضه على هيئة تحكيم من الغير، للفصل فيه بحكم مُنْهِ للخصومة، بدلًا عن القضاء". وعرفه المنظم السعودي بأنه "هو اتفاق بين طرفين أو أكثر أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سواءً أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة". ورغم وصف التحكيم في أغلب الأحيان بالصفة التجارية، إلّا أنه حقيقةً ليس كذلك، فالتحكيم بناءً على الأسس والقواعد ذاتها قد يكون في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية والمنازعات الناشئة عن المعاملات المدنية أيضًا، ولعل وصف التحكيم عادةً بالصفة التجارية ناتج عن أن أغلب المنازعات محل التحكيم هي نزاعات تجارية، أو لأن بدايات التحكيم بمفهومه الحديث كانت منحصرة في المعاملات التجارية، ولكن هذا لا يجعلنا نحصر التحكيم في المجال التجاري فقط، فقد جاءت المادة الثانية من نظام التحكيم واضحة وصريحة وكان فيما معنى نصها أن تطبيق نظام التحكيم يكون على أي علاقة قانونية يرضى طرفيها على خضوعها للتحكيم أيًا كانت صفتها أو طبيعتها.
إن نظام التحكيم السعودي مقارنة بغيره من الأنظمة قد حدد نطاق التحكيم بوضع قاعدتين، حيث تتمثل القاعدة الأولى في سريان أحكام هذا النظام على جميع المسائل التي تقبل بطبيعتها إخضاعها لنظام التحكيم أيًا كانت طبيعته وشكله. والقاعدة الثانية هي استثناء على القاعدة الأولى من حيث أن نطاق التحكيم يمتد لجميع المسائل باستثناء مسائل الأحوال الشخصية، والمسائل الجزائية التي لا يجوز الصلح فيها والتي هي عادة تتعلق بالنظام العام.
إن أساس التحكيم هو إرادة الأطراف الذين اختاروه ومنحوه سلطة الفصل في النزاع. فالتحكيم ينشأ عادةً نتيجة اتفاق الخصوم عليه إعمالًا لمبدأ سلطان الإرادة. بمعنى أنه للأطراف حرية الاختيار بين الاتفاق على التحكيم وعدم الاتفاق عليه، مما يعني أن الإرادة المشتركة وحدها كافية لانعقاد التحكيم وتحديد مضمونه ولا يجوز تعديله إلا بها، أو بالأسباب التي يقررها النظام. مما يعني أن الدولة لا تتدخل في عملة التحكيم إلا في أضيق الحدود بما يحفظ النظام العام في المجتمع.
أقر المنظم السعودي مبدأ استقلالية التحكيم، حيث يجد هذا المبدأ وجوده عندما يكون اتفاق التحكيم بصورة شرط من شروط العقد، فهنا تثار مسألة الاستقلالية التي تجعل اتفاق التحكيم باطل في حال وجود أحد مسببات بطلانه، حيث أن كلًا من العقد واتفاق التحكيم مستقلًا بذاته عن الآخر، بحيث لا يؤثر بطلان العقد على صحة اتفاق التحكيم، والعكس كذلك، فلا يؤثر بطلان اتفاق التحكيم على صحة العقد. وُيذكر للمنظم السعودي تطرقه لإفراد نص خاص يقر باستقلالية شرط التحكيم بخلاف بعض التشريعات العربية الأخرى التي لم تذكره صراحةً مثل التشريع المغربي والجزائري.
نشأة التحكيم والقانون الواجب التطبيق في المملكة العربية السعودية
أدى تطور المجتمعات وتشابك المصالح الاقتصادية ونمو التجارة الدولية ومواجهة تحديات الإشكاليات القانونية في حقل المعاملات الداخلية إلى إيجاد التحكيم كآلية مُحكّمة تكون حلًا أسرع وأفضل للفصل في النزاعات، وتشريعها في نصوص نظامية. وتمثل أول ظهور للتحكيم في المملكة العربية السعودية في أقدم نظام تجاري سعودي (نظام المحكمة التجارية) الصادر بالأمر السامي رقم ٣٢ وأفرد له المواد من ٤٩٣ إلى ٤٩٧، وكان حينها مقصورًا على المعاملات التجارية فقط، ثم صدر في نظام العمل والعمال التحكيم في المنازعات العمالية، وفي ضوء قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي سنة ١٩٨٥م وفق آخر تحديث لها في ٢٠٠٦م، وهو المصدر الأول للتشريعات الوطنية الحديثة المتعلقة بالتحكيم، وقواعده الصادرة سنة ١٩٧٦م وفق آخر تحديث لها في ٢٠١٣م، صدر نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية بموجب المرسوم ملكي رقم م/٤٣ في تاريخ ٢٤/٥/١٤٣٣هـ ليحل محل نظام التحكيم السابق له.
أنواع التحكيم:
يكون التحكيم اختياريًا حين يتم اللجوء إليه بإرادة الخصوم، كوسيلة بديلة عن القضاء لفض النزاع بينهما، وهذا هو الأصل في التحكيم، أما التحكيم الإجباري فهو الذي نص النظام بوجوب اللجوء إليه لفض النزاع عند هيئات تحكيم يتولى النظام تنظيمها وتشكيلها، وذلك في مسائل معينة قد يرى النظام عدم جواز عرضها على القضاء وذلك لاعتبارات معينة. والتحكيم الإجباري مستبعد من نطاق تطبيق التشريعات الوطنية المستندة إليه، فلا يجوز أن يكون التحكيم إجباريًا يلجأ إليه أحد الأطراف تنفيذًا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز مخالفتها، وذلك أيًا كان موضوع التحكيم نزاعًا قائمًا أو محتملًا، لأن التحكيم مصدره الاتفاق، مؤدى ذلك أنه في حال فرض المنظم التحكيم قسرًا بقاعدة قانونية آمرة فإن هذا يعد انتهاكًا لحق التقاضي الذي كفله الدستور.
في حال حدوث الخلاف بين الخصوم يتم اللجوء للتحكيم، ويكون التحكيم بالقضاء إذا كانت مهمة المحكّم هي الفصل في المنازعة، فهو كالقاضي يصدر حكمه بناءً على ما يتضح له من الوقائع ووسائل الاثبات المقدمة له، ولا اعتبار لرأي الخصوم في الحكم. ويكون التحكيم بالصلح إذا كان المحكم مفوض من قبل الخصوم بإجراء الصلح في المنازعة القائمة بينهم، وينحصر هدفه في تقريب وجهات النظر بين الخصوم والبحث عن الحل الذي يراه مناسب لكلا الخصمين، وإذا تعذر ذلك فله أن يصدر الحكم الذي يراه.
يكون التحكيم المؤسسي بناء على اتفاق الطرفين من خلال مؤسسة تحكيم دائمة، أيًا كانت مؤسسة وطنية أم دولية، وأيًا كان اسمها محكمة أو غرفة أو جمعية أو مجلس أو مركز أو غير ذلك. ويسمى أيضًا هذا النوع من التحكيم «التحكيم النظامي أو التحكيم اللائحي» لكونه دائمًا يجري بآلية منظمة معلومة سلفًا وفقًا للائحة المؤسسة التحكيمية التي تنظر عن طريقها القضية. أما التحكيم الحر فهو يجري خارج إطار المؤسسات التحكيمية الدائمة، حيث يختار فيه الخصوم هيئة التحكيم بناءً على اتفاقهم، ثم تتولى الهيئة النظر في المنازعة والفصل فيها مستقلة إداريًا وماليًا عن أي مؤسسة تحكيم دائمة، ويسمى هذا النوع من التحكيم «التحكيم الخاص أو التحكيم التعاقدي» لكونه يتم بالتعاقد المباشر والخاص بين الأطراف وهيئة التحكيم هي التي تحكم العلاقة بينهما وليس لائحة داخلية بخلاف التحكيم المؤسسي. والتحكيم الدارج منهما هو التحكيم المؤسسي، وهو الأفضل من حيث أنه يحقق الكثير من المميزات للأطراف ولهيئة التحكيم على السواء.
الشروط الشكلية لصحة اتفاق التحكيم:
أ- كتابية التحكيم
ب- الأهلية الكاملة لأطراف اتفاق التحكيم
مزايا التحكيم:
ولاية الفصل في المنازعات هي في الأصل تنعقد للقضاء، إلا أن هناك عدة اعتبارات دفعت الأنظمة القانونية إلى اعتماد التحكيم كنظام بديل عن القضاء لتولي هذه المهمة وفق شروط محددة، ومن أهم مزايا التحكيم:
ورغم المزايا السابقة للتحكيم فإن له في المقابل بعض العيوب، أهمها:
حقيقةً من الصعب القول بأن التحكيم كله مزايا أو عيوب، فكل نظام له عيوبه ومزاياه، بل أنه يمكن القول أن الفائدة الناتجة عن اعتماد نظام معين تكمن في إمكانية الأخذ بمميزاته والاستفادة بها وتفادي عيوبه وتجنبها.
إجراءات الدعوى التحكيمية:
جاء فيما معنى نص المادة الخامسة والعشرون في فقرته الأولى من نظام التحكيم أنه يحق لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم واللغة التي يتم التعامل بها، ونصت الفقرة الثانية من ذات المادة على أنه "إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم -مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية- وأحكام هذا النظام، أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة". ونصت المادة السادسة والعشرون من النظام على أنه "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه أحد طرفي التحكيم طلب التحكيم من الطرف الآخر، مالم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك". ونصت المادة السابعة والعشرون على أنه "يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة، وتهيأ لكل منهما الفرصة الكاملة والمتكافئة لعرض دعواه أو دفاعه". وعند البدء في التحكيم لا بد من القيام ببعض الإجراءات التي حددها النظام وهي إجراءات عامة تطبق على كل المنازعات التي يتم الفصل فيها من خلال التحكيم. وهي:
إجراءات التحكيم وفقًا للمركز السعودي للتحكيم التجاري
الرقابة القضائية
إن سلطة القضاء مساندة وداعمة للتحكيم، حيث جاء في المادة التاسعة والأربعون من نظام التحكيم السعودي أنه "لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقًا لأحكام هذا النظام الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، عدا رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقًا للأحكام المبينة في هذا النظام". والعلاقة بين القضاء والعملية التحكيمية منظمة بصورة تضمن العملية التحكيمية وفقًا لاعتبارات الشريعة الإسلامية وأحكام نظام التحكيم التي جعلت اتفاق التحكيم بمثابة الشريعة العامة للخصومة التحكيمية ولا يجوز مخالفتها وإلا ترتب على ذلك البطلان المختص بنظره القاضي، الذي من حقه التصدي لكل ما هو مخالف للشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة العربية السعودية والقضاء ببطلانه دون توقف على إبداء من أطراف دعوى البطلان، وهذا يعني تأكيدًا على سيادة الدولة على كل ما يجري على أراضيها أو يمس ثرواتها وحقوقها. المحور الرابع: الفرق بين التحكيم والقضاء التحكيم لا بد فيه من رضا الطرفين على خلاف القضاء، فجهة الأساس القانوني لاختصاص القاضي هو النظام، بحيث أن المنظم هو الذي يخول للقاضي ممارسة القضاء في المنازعة المطروحة أمامه، مما يعني أن القضاء سلطة إجبارية على أطراف النزاع، أما سلطة التحكيم هي سلطة اختيارية واللجوء للتحكيم ليس إجباريًا بقوة النظام، بل هوا رضائيًا اختياريًا مبني على سلطان الإرادة المشتركة لأطراف النزاع باللجوء إليه، ولا يلزم تنفيذه إلا على الخصوم المتفقين مسبقًا إليه، أو الطرفين الراضيين باللجوء إليه، ولا ينفذ على غيرهم.
التحكيم المحلي والدولي
التحكيم المحلي أو الوطني أو الداخلي: هو التحكيم الذي يتعلق بمنازعة على إقليم الدولة وتكون كافة عناصره محلية أو وطنية. والتحكيم الدولي: هو التحكيم الذي إما أن ينصب على علاقات تكون بين أفراد أو أشخاص منتمين لدول مختلفة، أو ينصب على نزاعات بين الدول أو المنظمات أو الهيئات الدولية. والتحكيم المختص بالفصل في نزاعات التجارة الدولية هو التحكيم الدولي الخاص، بينما التحكيم المختص بحسم نزاعات الدول فيما بينهم هو التحكيم الدولي العام. ورأى البعض أن التحكيم الداخلي هو الذي يتعلق بمنازعة على إقليم الدولة، وتكون كافة عناصره وأطرافه وطنية. والتحكيم الدولي هو الذي يكون أحد عناصره أو أطرافه أجنبية كجنسية الأطراف أو موضوع النزاع أو القانون الواجب التطبيق على المنازعة أو المكان الذي يتم فيه التحكيم. أما المنظم السعودي فلم يفرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي، فهو لم يفرق بين النزاعات الداخلية والنزاعات التي تأخذ الصفة الدولية، كما أنها لم تمنع التحكيم الذي يتم خارج المملكة. ثم أن التحكيم قد يتغير مسماه حسب موضوعه، فإذا كان موضوعه مدنيًا فيسمى تحكيمًا مدنيًا، وإذا تجاريًا يسمى تحكيمًا تجاريًا وهكذا. ومن أهم اتفاقيات التحكيم هي اتفاقية (نيويورك عام ١٩٥٨) بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وهذه الاتفاقية تشمل نوع التحكيم الدولي المذكور أعلاه الذي ينصب على علاقات تكون بين أفراد أو أشخاص منتمين لدول مختلفة ويكون موضوعه أو أطرافه أو عناصره أجنبية، فإن هذا النوع من التحكيم يخضع لجميع أحكام اتفاقية نيويورك. وإحدى المواضيع التي تطرقت لها اتفاقية نيويورك هي قاعدة اختيار القانون المنطبق بموجب المادة الخامسة من الإتفاقية.
يمكن للأطراف أن تختار صراحة القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم بينها. أي في حال تم اتفاق الأطراف مسبقا على القانون الذي يُخضه إليه التحكيم فهنا يتم أخذ اتفاقهم بعين الاعتبار ويتم تطبيق القانون المختار من قبلهم. ومن ثم فكثيرا ما تطبق المحاكم القانون الذي اختارته الأطراف ليحكم الاتفاق الرئيسي، أو القانون الذي اختارته الأطراف لينظم إجراءات التحكيم، باعتباره اختيارا ضمنيا للقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم. وراعت المحاكم في السوابق القضائية المبلغ عنها اختيار الأطراف القانون المنظم لاتفاق التحكيم. فعلى سبيل المثال، رأت محكمة النقض المصرية في إحدى الدعاوى أنه نظرا إلى اختيار الأطراف للقانون السويدي ليحكم العقد المبرم بينهما، فإنه ينطبق القانون السويدي على اتفاق التحكيم المقام بينها.
في الحالات التي لم تقرر في الأطراف صراحةً أو ضمنًا قانونًا يحكم اتفاق التحكيم بينها، لجأت المحاكم إلى القاعدة الفرعية وقيمت القانون المنظم للتحكيم بمقتضى" قانون البلد الذي صدر فيه القرار"، ولا تتضمن الاتفاقية كيفية تحديد المكان الذي "صدر فيه" قرار التحكيم. وقد قررت المحاكم أن مكان التحكيم المحدد في اتفاق التحكيم هو المكان الذي "صدر فيه" قرار التحكيم. فعلى سبيل المثال، رأت محكمة هولندية أن القانون الإنكليزي هو القانون المنطبق على الأطراف نظرا إلى عدم تحديد القانون الذي يخضع له الاتفاق، وتحديد إنكلترا مكانا للتحكيم في شرط التحكيم. ومن المبادئ الراسخة في ممارسات التحكيم، والمجسدة كذلك في قواعد التحكيم المؤسسية وقوانين التحكيم، أن قرار التحكيم يعتبر صادرًا في مكان التحكيم.
أهم اتفاقيات التحكيم العالمية
أهم مراكز التحكيم العالمية والعربية
ختاما وبعد الاطلاع على العديد من الدراسات في نفس المجال، نذكر هنا بعض الدراسات المتعلقة بموضوع البحث: قام خالد الدخيل (٢٠٠٤م) بدراسة تأصيلية تطبيقية هدفت إلى معرفة التحكيم في النظام السعودي على ضوء الفقه الإسلامي، وضع فيها مشروعية التحكيم ومزاياه وأنواعه ومعرفة الأمور المتعلقة بصدور حكم التحكيم وآثاره ونقضه والاعتراض عليه. كما قام د. أشرف البصري الشريف (٢٠١٣م) دراسة هدفت إلى المعرفة بإثبات الدعوى التحكيمية وتدخل القضاء بالمساعدة على ضوء نظام التحكيم السعودي الجديد. كما أجرى عبد العزيز الفريان (٢٠٠٦م) بدراسة تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية والأجنبية في المملكة العربية السعودية دراسة تأصيلية تطبيقية تحليلية هدفت إلى المعرفة بالشروط الموضوعية والإجرائية اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم الوطني والأجنبي في المملكة العربية السعودية، وتحديد الجهة المختصة بإصدار الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الوطني والأجنبي في المملكة العربية السعودية وفي ضوء مما وصلت إليه الدراسة الحالية، توصي الباحثة بما يلي:
استكمالًا للجهد الذي بدأته الدراسة الحالية، يُقترح إجراء مزيد من الدراسات في مجال الدراسة الحالية:
وفي ختام البحث نذكر أن التحكيم هو تولية خصمين حكمًا يحكم بينهما وهو من أقدم الوسائل التي اتخذت للبت في النزاعات، وأثر التحكيم من أهم موضوعاته والثمرة التي يتمخض عنها التحكيم والنتيجة المرجوة منها. وإذا صُدر حكم المحكم وكان متماشيًا مع قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها وفي نطاق الاختصاص المخول له شرعًا ونظامًا، واكتمل المحكم والمحتكمين الأهلية الكاملة فإن هذا الحكم يكون ملزمًا للطرفين ويجب عليهم تنفيذه، وفي حال لم يبادر المحتكم ضده بتنفيذ الحكم فإن المحكم يرفع الحكم إلى القاضي المختص لتوثيقه وتنفيذه جبرًا على الخصم الممتنع بالتنفيذ، وللمحكوم له أن يلجأ للقضاء طالبًا تنفيذ الحكم الذي أصدره المحكم إذا لم ينقذه المحكوم عليه بالتراضي، وللمحتكم ضده حق الطعن في الحكم لدى القضاء، ويقبل طلبه في حال كان معه حجة تجعل طعنه محتملًا للصحة وإلا فلا يقبل طلبه. ولا يجوز للمحكم بعد إصدار الحكم إعادة النظر في المنازعة التي حكم فيها، كما لا يجوز أن يرجع عن حكمه أو أن يعدله بعد صدوره. وليس لأحد من القضاة رد حكم المحكم، بل يجب عليه إمضاؤه وتنفيذه وإلزام الطرفين بمقتضاه وليس لهم نقض الحكم إلا في الحالات المنصوص عليها.
المراجع:
١- الشرقاوي، إبراهيم الشهابي. الشريف، يحيى حسين. (١٤٤١هـ - ٢٠٢٠م.).مبادئ التحكيم.الطبعة الأولى.
٢- آل فريان، عبدالعزيز عبدالرحمن. (٢٠٠٦). تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية والأجنبية في المملكة العربي السعودية.[رسالة ماجستير]. جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الدخيل، خالد عبدالعزيز.(٢٠٠٤).
٣- التحكيم في النظام السعودي على ضوء الفقه الإسلامي.[رسالة ماجستير]. جامعة نايف العربية للعوم الأمنية. الشريف، أشرف عثمان.(٢٠١٣).
٤- إثبات الدعوى التحكيمية وتدخل القضاء بالمساعدة على ضوء نظام التحكيم السعودي الجديد.
٥- عوض، هشام موفق. الشريف، نايف سلطان. (٢٠٠٩).قانون التحكيم.[حقيبة مقررة].جامعة الملك عبدالعزيز.
٦- المحيميد، ناصر إبراهيم.(٢٠٠٣).الرقابة القضائية على التحكيم.
٧- المركز السعودي للتحكيم. خدمات تسوية المنازعات. التحكيم. إجراءات التحكيم.
٨- أمانة الأونسيترال.دليل اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.نيويورك،١٩٥٨.
٩- هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. مجموعة الأنظمة السعودية. المجلد الخامس. أنظمة السلطة القضائية وحقوق الإنسان.
١٠- شركة المحامي حسام العريان وشركاؤه للمحاماة والدراسات القانونية والتحكيم. التحكيم. شروط وإجراءات الدعوى التحكيمية.
رفـــال سنوسي
باحثة قانونية
مكتب محمد بن عفيف للمحاماة