في عالم الأعمال والتجارة تعتبر عقود البيع من أهم أدوات العملية التجارية، حيث تكون هذه العقود هي العلاقة القانونية التي تربط البائع بالمشتري، وتحدد بدقة حقوق كلٍ منهما وواجباتهما تجاه بعضهما البعض، وهذا يعني أن الالتزام بأحكام عقود البيع يعتبر ضرورة حتمية لضمان المرونة والاستقرار في العملية التجارية، والجدير بالذكر أن هناك شروط قانونية تحكم عقود البيع في المملكة العربية السعودية، وتحديداً في نظام المعاملات المدنية، والذي ينص على التزامات البائع والمشتري وحقوقهما القانونية عند إبرام عقود البيع في المملكة، كما يتضمن نظام المعاملات المدنية مجموعة من الشروط الضرورية التي يجب أن تتوافر في عقود البيع، بحيث تكون القاعدة الأساسية هي الإلتزام بمبدأ النزاهة والصدق والشفافية في جميع المراحل التي يمر بها عقد البيع، وبموجب هذا النظام كما سنرى تفصيلاً في هذا المقال فإن التزامات البائع تشمل تأكيد ملكيته التي يُعرضها للبيع، وضمان السلامة والجودة والمطابقة للمواصفات والمتطلبات الفنية حسب الاتفاق، ومن جهة أخرى فإن التزامات المشتري تشمل تحمل تكاليف الدفع وضمان الاستلام الحضوري للسلعة المشتراة، والتأكد من سلامتها وجودتها ومطابقتها للمواصفات والمتطلبات، ومن هذا المنطلق سيتم تناول كافة الالتزامات التي تقع على عاتق طرفي عقد البيع وفق المنصوص عليه في نظام المعاملات المدنية.
عرف نظام المعاملات المدنية عقد البيع بأنه عقد يملك بمقتضاه البائع المبيع للمشتري مقابل ثمن نقدي، والجدير بالذكر أنه يجب أن يكون المبيع معلوماً للمشتري برؤيته أو ببيان صفاته المميزة له، وإذا تضمن عقد البيع أن المشتري عالم بالمبيع فلا حق له في طلب إبطال العقد لعدم العلم إلا إذا أثبت تغرير البائع به.
كما أنه يُستحق الثمن في البيع معجلاً ما لم يُوجد اتفاق على أن يكون مؤجلاً أو مقسطاً لأجل معلوم، وإذا كان الثمن مؤجلاً أو مقسطاً فيبدأ الأجل من تاريخ العقد، ما لم يتفق على خلاف ذلك.
تضمن نظام المعاملات المدنية العديد من التزامات البائع في عقد البيع وهي على النحو التالي:
تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري بانعقاد البيع، لا يمنع من انتقال الملكية كون البيع تمّ جُزافاً ولو كان تعيين الثمن فيه يتوقف على تقدير المبيع، ويلتزم البائع بأن يقوم بما هو ضروري من جانبه لنقل ملكية المبيع للمشتري وأن يمتنع عن أي عمل من شأنه جعل نقل الملكية مستحيلاً أو عسيراً.
كما أنه يجوز للبائع -إذا كان الثمن مؤجلاً أو مقسَّطاً- أن يشترط تعليق نقل الملكية للمشتري حتى يؤدي جميع الثمن ولو سُلِّم المبيع، وإذا استوفى البائع الثمن عُدت ملكية المشتري مستندةً إلى وقت انعقاد البيع.
يلتزم البائع بتسليم المبيع إلى المشتري بالحال التي كان عليها وقت البيع، وتكون نفقات تسليم المبيع على البائع، وذلك كله ما لم يتفق على خلافه، ويلتزم البائع بتسليم المبيع مجرداً من كل حق للغير لا يعلمه المشتري، كما أنه يشمل تسليم المبيع ملحقاته، وما اتصل به اتصال قرار، وما جرى العرف على أنه من توابع المبيع ولو لم يذكر في العقد
هذا بالإضافة إلى أنه إذا عين مقدار المبيع عند العقد فبان فيه نقص أو زيادة ولم يوجد اتفاق، وجب اتباع الآتي:
أ- إذا كان المبيع مما تضره التجزئة والثمن المسمى لمجموعه وليس بالوحدة القياسية فالزيادة للمشتري والنقص لا يقابله شيء من الثمن، وفيما عدا ذلك يكون النقص من حساب البائع والزيادة له يستردها عيناً إن كان المبيع لا تضره التجزئة أو يستحق ثمنها إن كان المبيع تضره التجزئة.
ب- إذا كانت الزيادة تُلزم المشتري أكثر مما اشترى به بمقدار جسيم أو كان النقص يُخل بغرضه بحيث لو علم به لما أتم العقد كان له طلب فسخ البيع.
والجدير بالذكر أنه لا تسمع الدعوى بالفسخ أو إنقاص الثمن أو إكماله إذا انقضت (سنة) من تاريخ تسليم المبيع.
ويجب أنه يكون تسليم المبيع بوضعه في حيازة المشتري، أو بأن يخلي البائع بين المبيع والمشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون مانع، ما دام البائع قد أعلم المشتري بذلك، ويكون هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة المبيع، وإذا كان المبيع تحت يد المشتري قبل البيع بأي صفة أو سبب عُدت هذه الحيازة تسليماً؛ ما لم يتفق على خلاف ذلك.
والجدير بالإشارة أن نظام المعاملات المدنية حدد بعض الحالات التي تعد تسليماً للمبيع وهي كما يلي:
أ- إذا اتفق المتبايعان على عدّ المشتري متسلماً للمبيع في حالة معينة.
ب- إذا عد نص نظامي المشتري متسلماً للمبيع في حالة معينة.
ج- إذا استبقى البائع المبيع في يده بعد البيع لسبب آخر غير الملكية برضى المشتري.
كما أنه يُعد المشتري متسلماً للمبيع ويلزمه أداء الثمن إذا هلك المبيع أو تلف قبل التسليم بفعله، فإن كان للبائع الحق في العدول عن العقد واختاره، كان له الرجوع على المشتري بالتعويض.
وإذا هلك المبيع أو جزء منه قبل التسليم بفعل البائع أو الغير؛ كان للمشتري طلب فسخ البيع، أو إمضاؤه والرجوع بالتعويض على المتسبب بالهلاك، أو طلب الفسخ في الجزء الذي هلك فقط، إذا هلك المبيع قبل التسليم بسببٍ لا يد لأحد المتبايعين أو الغير فيه انفسخ البيع واسترد المشتري الثمن، وإذا كان الهلاك على جزء من المبيع انفسخ البيع في ذلك الجزء واسترد المشتري ما يقابله من الثمن، وللمشتري طلب فسخ البيع في الباقي واسترداد كامل الثمن.
يضمن البائع عدم تعرضه للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه، كما يضمن البائع سلامة المبيع من أي حق للغير في المبيع كله أو بعضه إذا كان الحق سابقاً لعقد البيع أو آيلاً إلى الغير من البائع، وكذلك يضمن البائع عند تسليم المبيع سلامته من أي عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه، والمستفادة مما هو مبين في العقد، أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له، ويضمن البائع هذا العيب ولو لم يكن عالماً بوجوده، وإذا ظهر في المبيع عيب كان المشتري مخيراً بين طلب فسخ البيع أو إمساك المبيع والرجوع على البائع بفرق الثمن، وهو نسبة قيمة المبيع سليماً إلى قيمته معيباً من الثمن، وللبائع أن يتوقَّى ذلك بإحضار بديل مماثل للمبيع غير معيب.
ومن ناحية أخرى لا يضمن البائع العيب في الحالات الآتية:
أ- إذا كان المشتري يعلم بالعيب وقت البيع، أو كان يستطيع أن يتبينه بنفسه لو فحص المبيع بعناية الشخص المعتاد، ما لم يضمن البائع له سلامة المبيع من عيب بعينه أو كان البائع تعمد إخفاءه.
ب- إذا كان العيب مما جرى العرف على التسامح فيه.
ج- إذا حدث العيب بعد التسليم ما لم يكن مستنداً إلى سبب موجود في المبيع قبل التسليم.
د- إذا كان البيع في المزاد من قبل الجهات القضائية أو الإدارية.
ويجدر التنويه إلى أنه إذا تسلم المشتري المبيع فعليه التحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك وفقاً للمألوف في التعامل، فإذا كشف عيباً يضمنه البائع فعليه أن يعلمه به خلال مدة معقولة، فإن لم يفعل عُد قابلاً للمبيع بما فيه من عيب، وإذا كان العيب مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد ثم كشفه المشتري، فعليه أن يعلم به البائع بمجرد ظهوره، وإلا عُد قابلاً للمبيع بما فيه من عيب.
وكذلك تجدر الإشارة إلى أنه يسقط حق المشتري في الفسخ، وله الرجوع بفرق الثمن في الحالات الآتية:
أ- إذا تصرف في المبيع تصرفاً يخرجه عن ملكه، فإن عاد إلى ملكه قبل طلب فرق الثمن لم يسقط حقه في الفسخ.
ب- إذا رتب على المبيع حقاً للغير لا يخرجه عن ملكه وتعذر تخليصه منه خلال مدة معقولة.
ج- إذا هلك المبيع أو تعيّب بفعله أو بعد تسلمه له.
د- إذا زاد في المبيع زيادة متصلة غير متولدة منه قبل التسلم أو بعده.
وإذا بيعت أشياء متعددة صفقة واحدة، وظهر في بعضها عيب، وليس في تجزئتها ضرر؛ فللمشتري طلب فسخ البيع في الجزء المعيب أو إمساكه مع الرجوع بفرق ثمنه، وليس له طلب الفسخ في جميع المبيع، ما لم يتبين أنه ما كان ليرضى بالعقد دون الجزء المعيب، ويصحّ الاتفاق على إعفاء البائع من ضمان العيب أو الحد من هذا الضمان أو زيادته ما لم يكن البائع قد تعمد إخفاءه.
تضمن نظام المعاملات المدنية العديد من التزامات المشتري في عقد البيع وهي على النحو التالي:
يلتزم المشتري بأداء الثمن قبل تسلّم المبيع، ما لم يتفق على خلاف ذلك، حيث يكون للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي ما هو مستحق له من الثمن ولو قدم المشتري رهناً أو كفالة، وإذا هلك المبيع أو تلف في يد البائع وهو حابس له كانت تبعة ذلك على المشتري، وذا قبل البائع تأجيل الثمن سقط حقه في حبس المبيع ولزمه تسليم المبيع للمشتري.
كما يلتزم المشتري بأداء الثمن الذي استحق وفاؤه وقت تسليم المبيع في مكان التسليم، وإذا لم يكن الثمن مستحق الوفاء وقت تسليم المبيع، لزم أداؤه في مكان العقد، وذلك كله ما لم يتفق على خلافه.
ويجدر التنويه إلى أنه إذا رفعت على المشتري دعوى استحقاق المبيع مستندة إلى حق سابق على البيع أو آيل إلى مدعي الاستحقاق من البائع، جاز للمشتري حبس الثمن حتى يقدم البائع ضماناً مناسباً برد الثمن عند ثبوت الاستحقاق، وللبائع أن يطلب من المحكمة تكليف المشتري إيداع الثمن لدى الجهة التي يحددها وزير العدل بدلاً من تقديم الضمان.
كما أنه إذا حُدد في البيع موعد معين، واشترط البائع أنه إذا لم يؤد المشتري الثمن في الموعد فلا بيع بينهما، ولم يؤده؛ عُد البيع مفسوخاً إذا اختار البائع ذلك، دون حاجة إلى إعذار، وذلك كله ما لم يتفق على خلافه.
أوضح نظام المعاملات المدنية أنه يلتزم المشتري بتسلم المبيع في المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت البيع، ونقله دون إبطاء، إلا ما يقتضيه النقل من زمن، وذلك كله ما لم يتفق على خلافه، كما أنه تكون نفقات الوفاء بالثمن وتسلم المبيع وعقد البيع وتسجيله على المشتري، وذلك كله ما لم يتفق على خلافه.