تعد المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الرائدة في الشرق الأوسط على صعيد تطوير البنية التحتية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، ومن بين القطاعات التي توليها المملكة اهتماماً كبيراً هو قطاع التأمين، حيث تسعى المملكة إلى إيجاد بيئة تنظيمية وتشريعية متكاملة لتعزيز نشاط التأمين وتعزيز دوره في الاقتصاد الوطني، وتعود مساهمة المملكة العربية السعودية الفعالة في إيجاد بيئة تنظيمية وتشريعية متكاملة لممارسة نشاط التأمين إلى الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل في المملكة، فقد أدركت الحكومة السعودية أهمية قطاع التأمين كمحرك اقتصادي، وقامت باتخاذ خطوات رئيسية لتعزيز هذا القطاع وتطويره بشكل فعال، وكواحدة من أبرز المبادرات التي قامت بها المملكة هي إنشاء هيئة التأمين وهي هيئة تنظيمية تهدف إلى تنظيم وتطوير سوق التأمين في السعودية، وتعمل الهيئة على وضع اللوائح والأنظمة التي تحكم نشاط التأمين وتضمن حماية المستهلكين وتعزيز الشفافية والمسؤولية في القطاع، وقد أثبتت الهيئة جدارتها في تعزيز بيئة الأعمال وجعل السوق التأميني في المملكة أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب.
ويعرف التأمين بأنه نظام تعاوني يهدف إلى حماية الأفراد والمنشآت من الخسائر المالية المحتملة الناشئة عن حوادث عرضية غير متوقعة ممكن التأمين عليها، ويتم ذلك بإعادة المتضرر (المؤمن له) إلى نفس الوضع المالي الذي كان عليه قبل وقوع الخسارة، مع مشاركة المؤمن لهم في فائض الأرباح الناتجة عن نشاط التأمين، حيث تضمن نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية النص على إلزام شركات التأمين بمشاركة المؤمن لهم في أرباح النشاط التأميني وذلك بتوزيع نسبة (۱۰%) عشرة بالمائة للمؤمن لهم مباشرة، أو بتخفيض أقساطهم للسنة التالية مباشرة، وإضافة ما نسبته (۹۰%) تسعون في المائة إلى قائمة دخل المساهمين .
هذا ومع كثرة المعاملات في قطاع التأمين تظهر العديد من المنازعات بين المؤمن له وشركات التأمين، مما يستدعي وجود أنظمة تشريعية وإجراءات تعمل على تسوية هذه المنازعات، والجدير بالذكر هنا قواعد وإجراءات عمل لجان الفصل في والمخالفات التأمينية، والإجراءات المنظمة للصلح في المنازعات التأمينية، والتي سوف نتطرق إليها في هذا المقال.
وبفضل هذه الجهود الفعالة في إيجاد بيئة تنظيمية وتشريعية متكاملة لممارسة نشاط التأمين، تعتبر المملكة العربية السعودية وجهة مفضلة للشركات التأمينية العالمية للاستثمار والتوسع في السوق السعودي، وتعزز هذه الاستثمارات المحلية والأجنبية الابتكار والتنافسية في القطاع، مما يعود بالنفع على الأفراد والمنشآت والاقتصاد السعودي بشكل عام.
ينعقد اختصاص النظر في دعاوى المنازعات التأمينية ضد شركات التأمين أو إعادة التأمين للجان الابتدائية التي يقع في نطاقها المكاني محل إقامة المدعي إذا كان شخصاً ذا صفة طبيعية، وينعقد الاختصاص للجان الابتدائية التي يقع في نطاقها محل إقامة المدعى عليه إذا كان المدعي شخصاً ذا صفة اعتبارية، ومن ناحية أخرى، تختص اللجنة الاستئنافية بالفصل في التظلمات التي يقدمها ذوو الشأن من قرارات اللجان الابتدائية ويجوز للجنة الاكتفاء بتدقيق القرار في القضايا التي يقل المبلغ المقضي به عن خمسين ألف ريال.
أوضحت قواعد وإجراءات عمل لجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية أنه ترفع دعاوى المنازعات والمخالفات التأمينية ممن له صفة أو مصلحة في النزاع إلى اللجان الابتدائية، حيث أن الصفة هي الإجراء الأولى الذي تقوم عليه إجراءات الدعوى التأمينية، ويتعين ثبوتها لمن أقام الدعوى ابتداء، ولا عبرة بتصحيح شكل الدعوى بعد إقامتها من غير ذي صفة، وانتفاء ثبوتها يلزم معه تقرير انعدامها، وذلك وفق السابقة القضائية (565/أ/1441هـ).
حيث أنه تقدم الدعوى مكتوبة باللغة العربية بموجب صحيفة ادعاء من أصل وعدد من النسخ مساوي لعدد المدعى عليهم، ويجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على البيانات الآتية:
وإذا كانت الدعوى مقدمة ضد شركة تأمين أو إعادة تأمين للمطالبة بتعويض أو التزام بتغطية، فيتعين على المدعي أن يرفق خطاب رفض المطالبة الصادر من الشركة المدعى عليها، أو ما يثبت مضي خمسة عشر يوماً على تاريخ المطالبة، وتقديم إشعار المراجعة والإشارة إلى ذلك صراحة في صحيفة الدعوى، وعلى المدعي أن يرفق مع صحيفة الدعوى جميع المستندات التي تثبت صفته أو مصلحته في الدعوى وإذا أقام الدعوى الوكيل الشرعي تعين إرفاق نسخة من الوكالة الشرعية وصورة من إثبات شخصيته.
تعقد اللجان جلساتها بحضور جميع أعضائها في الزمان والمكان المحددين لانعقادها وفقاً لما يحدده القرار الوزاري، وذلك للنظر في الدعاوى المعروضة عليها بعد سماع أقوال الخصوم ودفوعهم، هذا ويجب على جميع الخصوم أو من ينوب عنهم الحضور في المواعيد المحددة لنظر الدعاوى أمام اللجان، فإن غاب المدعي عن جلسة من جلسات النظر في الدعوى بعد ثبوت تبليغه ولم يتقدم بعذر تقبله اللجنة جاز للجنة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب من المدعى عليه الفصل في الدعوى إذا كانت صالحة للفصل فيها أو أن تأمر بشطبها ويبلغ أطراف الدعوى بذلك، فإن شطبت الدعوى فللمدعي أن يطلب إعادة قيدها واستكمال النظر فيها.
كما تطبق أحكام نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية بحسب الأحوال على كل ما لم يرد فيه نص خاص في هذه القواعد، وذلك بالقدر الذي ينفق وطبيعة الدعاوى المعروضة.
أجازت قواعد وإجراءات عمل لجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية الإثبات أمام اللجان بجميع طرق الإثبات، بما في ذلك البيانات الإلكترونية أو الصادرة عن الحاسوب، أو تسجيلات الهاتف، أو مراسلات الفاكس، أو البريد الإلكتروني، أو رسائل الجوال، هذا وتنظر الدعاوى في ضوء ما يُقدم من طلبات أو دفوع مكتوبة أو ما يطرح أثناء المرافعات، ويفصل فيها وفقاً للأنظمة واللوائح المنظمة لطبيعة النزاع والقواعد المعمول بها وبما استقر عليه القضاء والفقه المقارن في الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية.
تصدر قرارات اللجان الابتدائية بالأغلبية، وإذا تساوت الأصوات يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس اللجنة، ويجوز التظلم من قراراتها أمام اللجنة الاستئنافية خلال ثلاثين يوماً من التاريخ المحدد التسليم القرار، كما تصدر قرارات اللجنة الاستئنافية بالأغلبية، وإذا تساوت الأصوات يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس اللجنة، وتكون قرارتها قطعية غير قابلة للتظلم أمام أي جهة أخرى.
هذا ويجب أن يشتمل القرار على أسماء كل من رئيس وأعضاء اللجنة التي أصدرته وتاريخ إصداره وأسماء الخصوم ووكلائهم بالكامل وبيان حضورهم أو غيابهم، وعرض مجمل الوقائع الدعوى وطلبات الخصوم، وخلاصة موجزة لدفوعهم وأسباب وحيثيات القرار ومنطوقه.
يحق للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية في مطالبات أي من الخصوم المقدمة أمامها بالتعويض عن جميع مصاريف الدعوى سواء أكانت في الدعوى نفسها أم في دعوى مستقلة.
لا تسمع الدعاوى في المنازعات التأمينية بعد مضي خمس سنوات من تاريخ استحقاق المبلغ محل المطالبة، ما لم يكن هناك عذر تقبله اللجان، والعبرة بتاريخ إقامة الدعوى التأمينية في تقرير انقضاء المدة النظامية لسماعها، بصرف النظر عن مدى اكتمال مستنداتها من عدمه، وذلك وفق السابقة القضائية (248/أ/1441هـ).
وفقاً للإجراءات المنظمة للصلح في المنازعات التأمينية ينشأ بقرار من المحافظ مركز أو أكثر يسمى مركز الصلح في المنازعات التأمينية، ويتبع إدارياً ومالياً للأمانة العامة، ويختص بالتسوية صلحاً في الدعاوى المقامة من الأفراد ضد الشركات في المنازعات الناشئة عن عقود تأمين المركبات للأفراد والتي لا تتجاوز قيمة المطالبة بالتعويض فيها عن خمسون ألف ريال سعودي، على أن يختص المركز بمطالبات التعويض عن غير الأضرار الجسدية، ويجوز بقرار من المحافظ توسيع اختصاص المركز ليشمل أنواع أخرى من التأمين أو تحديد مبالغ أعلى من ذلك، ويجوز للشركات الانضمام لعضوية المركز بناءً على اتفاقية يتم ابرامها مع الأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية.
حيث أنه يقدم طلب الصلح إلى المركز ممن له صفه أو مصلحة في النزاع، وفقا للآلية المبينة في هذه الإجراءات، ووفقاً للأنموذج المعتمد والوسائل الملائمة التي يحددها المركز، وعند توكيل أطراف النزاع للغير لتقديم طلب الصلح أو المضي في إجراءات الصلح، وجب أن يكون التوكيل صريحاً في تفويضهم بقبول الصلح أو رفضه لتسوية النزاع، ويقوم مركز الصلح في المنازعات التأمينية بإستقبال طلب الصلح والتواصل مع مقدمه لاستكمال المستندات عند الحاجة، والتأكد من دخول النزاع تحت نطاق اختصاص المركز، وذلك خلال خمسة أيان عمل من تاريخ طلب الصلح.
وفي حال عدم اختصاص المركز بموضوع النزاع، يقوم المركز بعد الحصول على موافقة مقدم طلب الصلح، بإحالة ملف النزاع إلى الشعبة المختصة بالأمانة العامة لاستكمال إجراءات تسجيل طلب الصلح كدعوى أمام اللجان.
ويقوم المركز بإبلاغ الشركة المعنية بموضوع النزاع وتزويدها بالمستندات المقدمة من مقدم طلب الصلح، على أن تقوم الشركة بالرد خلال مدة أقصاها خمسة أيام عمل من تاريخ التبليغ، ويقوم المركز بدراسة ملف النزاع وإعداد تقرير بذلك وعرضه على المصلح، وذلك خلال مدة أقصاها سبعة أيام عمل من تاريخ استلام رد الشركة.
هذا ويقوم المصلح بالتواصل مع أطراف النزاع مبيناً لهم مدى مشروعية ونظامية طلب الصلح، كما يحق له الانفراد بكل طرف من أطراف النزاع على حدة، واتخاذ ما يراه مناسباً للإصلاح والوصول إلى تسوية مرضية وذلك بتوضيح جوانب النزاع المختلفة وأثارها، ويبدي لهم النصح والإرشاد، كما أن له بعد موافقة الأطراف التواصل مع من يرى أن لإفادته دور في تسوية النزاع، وتدوين ذلك في محضر الصلح.
ويقوم المصلح بطرح مقترح الصلح لتسوية النزاع، على أن يكون مقترح الصلح لتسوية النزاع مبنياً على الأسانيد الشرعية والنظامية والسوابق والمبادئ القضائية التي استقر عليها قضاء اللجان، ثم يبلغ الأطراف بمقترح الصلح، على أن يقوموا بالرد على مقترح الصلح خلال مدة أقصاها خمسة أيام عمل من تاريخ التبليغ.
وإذا تم التوصل إلى ما ينهي النزاع، يقوم المصلح بإعداد محضر الصلح بين الطرفين متضمناً بنود الصلح المتفق عليها، ويرفع محضر الصلح للجان للمصادقة عليه، ويزود الأطراف بنسخ منه وتحفظ نسخة في المركز، ويلتزم المصلح بإنهاء إجراءات الصلح وإعداد محضر الصلح للمصادقة عليه من اللجان خلال خمسة عشر يوم عمل من تاريخ استلامه لملف النزاع.
هذا ومن جانب أخر، تنتهي إجراءات الصلح في أي من الحالات التالية:
ويقوم المركز بعد الحصول على موافقة مقدم طلب الصلح بإحالة الملف الى الشعبة المختصة بالأمانة العامة لاستكمال إجراءات تسجيله كدعوى أمام اللجان.