مقدمة:
لقد ظهر في السنوات الأخيرة ما يعرف بمصطلح حوكمة الشركات باعتبارها أساس التنمية الاقتصادية والمصرفية ، ويطلق عليه أيضاً اسم الحكم الرشيد في الشركات والتي تتضمن إجراءات وطريقة إدارة الأطراف ذات العلاقة في الشركات وقد حاز هذا المصطلح على قدر عالٍ من الاهتمام والرعاية خاصة من سلطات الإشراف والرقابة وأيضاً المنظمات الاقتصادية والمالية، وقطاعات الشركات والمؤسسات والمصارف سواء إقليماً أو دولياً.
وقد نشأت هذه الظاهرة نتيجة القصور الذي تخلل القوانين والتشريعات التي تحكم ممارسة الأعمال والأنشطة التجارية والتي أدت إلى حدوث الكثير من حالات الإفلاس والتعسر والعسر المالي للعديد من الشركات الضخمة التي تضرر من جرائها آلاف المساهمين وأصحاب رؤوس الأموال . وقد أوضحت تجارب العديد من دول وشركات العالم والأزمات المالية التي عصفت بها ، أن الحكم الرشيد يشكل أحد العناصر الأساسية للنمو الصحي والقوي في الاقتصادات الوطنية وقطاع الشركات والمصارف المحلية .
وتعد حوكمة الشركات مرشداً جيداً للشركات خاصة في توازن حالات تعارض المصالح بين المستثمرين وإدارة الشركة وأصحاب المصالح الأخرى ، وتعمل علي زيادة ثقة المستثمرين وزيادة القيمة السوقية لأسهم الشركات، وتساعدها في الحصول على التمويل الدولي والمحلي ، وخاصة بعد الاضطرابات المالية التي لحقت بالأسواق العالمية في منتصف التسعينيات، وإفلاس بعض الشركات في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية في عام 2001 ، وإفلاس بعض الشركات الأمريكية نتيجة الغش والتلاعب بالقوائم المالية وعدم تطبيق معايير المحاسبة الدولية.
وقد اختلفت الآراء حول تعريف أو ترجمة Corporate Governance "" حيث تم تسميتها بالإدارة الرشيدة أو الإدارة الحكيمة، وأخيراً تم تسميتها حسب مجمع اللغة العربية" حوكمة الشركات".
وعرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حوكمة الشركات بأنها إيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين علي إدارة الشركة بما يحافظ على حقوق حملة الأسهم والسندات والعاملين بالشركة وأصحاب المصالح وغيرهم. وذلك من خلال تحري تنفيذ صيغ العلاقات التعاقدية التي تربط بينهم ، باستخدام الأدوات المالية والمحاسبية السليمة وفقا لمعايير الإفصاح والشفافية ".
أو هي عبارة عن مجموعة علاقات تعاقدية تربط الشركة والمساهمين وأصحاب المصالح، عبر إيجاد الهياكل والإجراءات المستخدمة لإدارة شئون الشركة، وتوجيه أعمالها لتعزيز الأداء والشفافية والإفصاح والمساءلة بالشركة، وتعظيم الفائدة للمساهمين على المدى الطويل مع مراعاة مصالح الأطراف الأخرى.
يساعد تطبيق مبادئ الحوكمة داخل الشركات على:
تعتبر حوكمة الشركات من أهم العمليات الضرورية واللازمة لتحسين عمل الشركات وتأكيد نزاهة الإدارة فيها، وكذلك للوفاء بالالتزامات والتعهدات ولضمان تحقيق الشركة أهدافها بشكل قانوني واقتصادي سليم. ويتضح لحوكمة الشركات أهمية كبيرة بالنسبة للشركات وللمساهمين وذلك كما يلي:
تظهر أهمية الحوكمة بالنسبة الشركات فيما يأتي :
تظهر أهمية حوكمة الشركات بالنسبة للمساهمين فيما يلي :
تشكل حقوق المساهمين أهمية كبيرة في حوكمة الشركات. والغرض الرئيسي من وجود إدارة مسئولة في الشركات هو حماية مصالح أصحاب رأس المال أو حملة الأسهم في الشركة. وقد أولت مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حوكمة الشركات اهتماماً خاصاً بخاصة حقوق المساهمين ومعاملتهم معاملة منصفة.
تكفل حوكمة الشــركات حماية حقوق المســاهمين المتصلة بالسهم، و تشمل هذه الحقوق الآتي :
الإفصاح عن صفة الوكالة وأساسيات تصويتهم.
كيفية تعاملهم مع تعارض المصالح المادية في ممارساتهم للحقوق الملكية الرئيسية الخاصة باستثماراتهم.
ينبغي تسهيل ممارسة كافة المساهمين لحقوق الملكية ، بما في ذلك المستثمرون المؤسسون، أن يتشاوروا مع بعضهم بعضاً فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للمساهمين وفقاً للمبادئ مع بعض الاستثناءات لمنع الاستقلال.
التصويت التراكمي: يعرف أســلوب التصويت التراكمي بأنه آلية انتخاب أعضاء مجلس الإدارة من ضمن المساهمين المترشحين، والذي يمنح كل مساهم قدرة تصويتية بعدد الأسهم التــي يملكها ، بحيث يحق له التصويت بها لمرشــح واحد أو تقســيمها بين من يختارهم من المرشحين دون وجود تكرار لهذه الأصوات . وهذا الأسلوب يسمح للمساهمين بتوزيع الأصوات المتاحة لهم بأي طريقة مناسبة بين المرشحين لعضوية محلس الإدارة، ويزيد من فرص حصول مســاهمي الأقلية على تمثيل لهم فــي مجلــس الإدارة عن طريق تركيــز الأصوات التراكمية على مرشح واحد .
التصويت من بعد: يعرف أســلوب التصويت من بعد بأنه آلية الهدف منها زيادة حجم وتسهيل مشــاركة المســاهمين في اجتماعات الجمعية العامــة وبالتالي رفع كفاءة وفاعلية تلك الاجتماعات، ويتم تطبيق هذه الآلية لمواكبة التطورات الحديثة وتطبيق أحدث التقنيات التي من شــأنها الحد من العقبــات التي تحول دون مشاركة المســاهمين أو انعقاد الجمعية. كما أن هذه الآلية تتيح للمساهم ممارسة حق التصويت دون حضوره في مقر انعقاد الجمعية ، وتســاعد الشركات على ضمان اكتمال النصاب وانعقاد الجمعيات ، إلى جانب خفض مصروفات الشــركات المدرجــة الناتجة عن عدم انعقاد الجمعيات في الأوقات المناسبة لها .
يعتبر مبدأ الإفصاح والشــفافية من أهم مبادئ حوكمة الشــركات حيث يمكن المساهمين من الحصول على كافة المعلومات المطلوبة والمتعلقة بالوضع المالي والأداء والملكية والرقابة والنتائج المالية والتشغيلية وملكية الأسهم في الأوقات المناسبة بكل عدالة وشفافية، وتلتزم الشركات المسجلة في السوق المالية بوضع سياسات وإجراءات الإفصاح وأنظمتها الإشراقية بشكل مكتوب. كما أن هذا المبدأ يكفل إطاراً محدداً لإجراءات حوكمة الشركات يعنى بتحقيق الشفافية والإفصاح الدقيق بأسلوب يتفق مع المعايير المحاسبية والمالية وجودتها، والعمل على تقديم المعلومات في الوقت المناسب وبخاصة المعلومات المتصلة بتأسيس الشركة، وأهدافها، وحقوق المساهمين، وحق الأغلبية من حيث عدد الأسهم، ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين في الشركة.
إن الإفصاح والشفافية من مبادئ منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية التي قدمت في عام 2004 م، وهي تتضمن مجموعة من المعلومات الآتية التي يجب الإفصاح عنها:
الإفصاح يجب أن يشمل المعلومات المالية والإدارية التالية :
وبصفة عامة يجب الأخذ بعين الاعتبار الإرشادات التالية عند تطبيق مبدأ الإفصاح والشفافية وهي :
يعد مجلس الإدارة أكثر آليات حوكمة الشركات أهمية، لأنه يمثل قمة إطار حوكمة الشركات. فهو يمثل جـميع المسـاهمين، وعليه بـذل واجبي العناية والولاء في إدارة الشركـة وكـل ما مـن شأنه صـون مصالحها وتنميتها وتعظيم قيمتها.
ويتمحور العمل الأساسي لمجلس الإدارة حول حماية وضمان حقوق وأموال المساهمين مع الأخذ في الاعتبار أيضاً حماية حقوق أصحاب المصالح الأخرى. ويجب أن تكون مسئوليات مجلس الإدارة واضحة حتى يتمكن من متابعة ومراقبة أداء الشركة ، ويكون محاسباً من قبل الجمعية العمومية للمساهمين .
ومجلس الإدارة الفعال هو ذلك المجلس الذي يضم عدداً من الأعضاء المستقلين أو غير التنفيذيين في عضويته، ويؤدي ذلك إلى كفاءة عمل مجلس الإدارة ليساعد المساهمين في حماية حقوقهم وتحقيق الشركة أهدافها وزيادة أرباحها بصورة جيدة. وعلى مجلس الإدارة العمل على تحديد هيكل مجلس الإدارة ومهامه الأساسية ودوره الإشرافي على الإدارة التنفيذية وحماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح والمعاملة المتساوية بين المساهمين والتأكد من تطبيق القوانين والقواعد. ويعد مجلس الإدارة الجيد من أهم مميزات شركات المساهمة العامة؛ التي تعمل في الاقتصاديات المتقدمة، فهو الذي يعمل بآليات تساعده على م ا رقبة أداء الإدارة التنفيذية، وهو المسئول عن وضع استراتيجية الشركة، والحصول على المعلومات بوضوح وشفافية والتأكد من صحتها من خلال الرقابة الداخلية والخارجية حتى يحمي حقوق المساهمين من الانهيارات وتعارض المصالح.
تتمحور الوظيفة الرئيسية لمجلس الإدارة في الآتي :
تحديد هيكل مجلس الإدارة ومهامه الأساسية والإشراف على الإدارة التنفيذية وحماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح والمعاملة المتساوية بين المساهمين والتأكد من تطبيق القوانين والقواعد.
وضع خطط الأعمال والسياســات والموازنات السنوية وخطط النشاط والأهداف الرئيسة للشركة، والأنظمة والضوابط الرقابية والإشراف عليها ، ومتابعة التنفيذ وأداء الشركة.
تحقيق مصالح الشركة والمساهمين وأن تضمن دقة وصحة المعلومات.
وتتمثل مهام رئيس مجلس الإدارة في الآتي:
يتألف مجلس الإدارة من مجموعة الأعضاء لكل منهم مهام ومسئوليات مختلفة، ويمكن تقسيم أعضاء مجلس الإدارة إلى أعضاء تنفيذيين، وأعضاء غير تنفيذيين وأعضاء مستقلين، وفقاً لما يلي:
هو عضو يكون موظفاً في الشركة ولديه منصب تنفيذي (العضو المنتدب، ومديري القطاعات مثل " المدير المالي ، ومدير التسويق ، ومدير المبيعات وغيرهم"). ويعتبر وجوده هام جداً داخل مجلس الإدارة حيث يقوم بمتابعة الأعمال اليومية للشركة ، وتزويد مجلس الإدارة بالمعلومات التي تساعد مجلس الإدارة على متابعة أعمال الشركة ، ومعرفة المشاكل والمخاطر التي تواجه الشركة.
هو عضو غير موظف في الشركة ولا يتقاضى مرتباً شهرياً من الشركة ، ولا يكون متفرغاً بصورة كاملة لإدارة أعمال الشركة ولا يشارك في الأعمال اليومية لها. ويمكن أن يكون عضواً مستقلاً أو غير مستقل.
هو عضو يتمتع بالاستقلالية التامة في مركزه وقراراته عن إدارة الشركة ، لم يكن قد توظف من قبل بالشركة ، وليس له علاقة أسرية أو اقتصادية بأعضاء المجلس وليس عضواً في شركة فرعية تتبع إلى الشركة الأم .
وتوجد بعض المتطلبات التي يجب توافرها في العضو المستقل وهي :
يلاحظ من خلال التعريفات السابقة لأنواع الأعضاء، أن التنوع في أعضاء مجلس الإدارة من تنفيذيين وغير تنفيذيين ومستقلين يساعد على ضمان جودة وقوة شخصية مجلس الإدارة، ويساهم بصورة فاعلة في حماية حقوق المساهمين، وتحقيق أهداف الشركة من خلال الرقابة الفعالة، وتحقيق التوازن بين أعضائه بأنواعهم المختلفة. كما أن مجلس الإدارة هو المسؤول الأساسي عن متابعة أداء الشركة، وعن وضع استراتيجية وأهداف الشركة ، وتحديد سياسات وإجراءات العمل، ومتابعة مدى الالتزام بتطبيق هذه الإجراءات من قبل إدارة الشركة.
توجد مجموعة لجان متخصصة منبثقة من مجلس الإدارة ،تضم في عضويتها الأعضاء المستقلين والتنفيذيين حسب تخصصاتهم ومها راتهم ومؤهلاتهم و خبراتهم، مما يسهم بشكل فعال في عمل اللجنة، ويجب أن لا يقل عــدد أعضاء اللجان عن ثلاثة ولا يزيد على خمسة. ويقوم مجلس الإدارة بتشكيلها من أجل إحكام الرقابة بشكل عام على أداء الشركة وإدارتها كما يضع المجلس مهام كل لجنة ومدة عملها وصلاحياتها ومسئولياتها المخولة لها، كما يقوم بمتابعة أعمال هذه اللجان بشكل منتظم للتحقق من قيامها وممارستها لأعمالها بشكل جيد. وتسهم هذه اللجان بشكل فعال في إدارة الشركة خاصة اذا كانت الشركة كبيرة الحجم الأمر الذي يساعد مجلس الإدارة على كسب الوقت في إنجاز المهام.
تكتسب لجان مجلس الإدارة مزايا من عملها داخل مجلس الإدارة، وهي كما يلي:
لكل لجنة اختصاصات مختلفة عن الأخرى حسب طبيعة عمل اللجنة والهدف الرئيسي من تكوينها ، وهي كما يلي :
وذلك على النحو التالي :
يجوز دمج لجنتي المكافآت والترشيحات في لجنة واحدة باسم لجنة المكافآت والترشيحات بشرط استيفاء كل لجنة المتطلبات الخاصة بها، وأن تجتمع كل ستة أشهر على الأقل بشكل منتظم .
ختاما: يتضح لنا من خلال هذا الموضوع مدى أهمية قواعد الحوكمة ومسؤوليات مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية ، حيث تهدف الحوكمة إلى تحقيق الاستثمار الأمثل والأرشد لقدرات الشركات ومواردها عبر تهيئة بيئة عمل تتسم بالمسؤولية والالتزام والرقابة ومراعاة مبادئ العدالة والشفافية في تحديد أهداف الشركة وخططها التجارية الاستراتيجية ، وبيان حقوق كل كيان من كياناتها والتزاماته، إضافة إلى إدارة علاقتها بالموردين والممولين والمستهلكين وجهات الرقابة والأنشطة التي تزاولها .
١- محمد طارق يوسف، حوكمة الشركات، الإفصاح والشفافية كأحد مبادي حوكمة الشركات ومدي ارتباطها بالمعايير المحاسبية المؤتمر العربي الأول (شرم الشيخ 6 مايو 2007 م(، ص4
[2] www.decd.0.3/daf/corporate/principees , the Organization for Economic Co-Operation and Development (OECD) , Principles of Corporate Governance ,2004.
[3] محمد مصطفي سليمان، حوكمة الشركات ومعالجة الفساد المالي والإداري، مرجع سابق، ص 47 .
4- http://www.ehpw.com/info7890437sharegolder-rights-corporateGovernance.html
[5] عبيد سعد المطيري ، مستقبل مهنة المحاسبة والمراجعة تحديات وقضايا معاصرة ، ( دار المريخ ، الرياض ، 2004 م ) ، ص 122 .
[6] محمد آدم أبكر محمد، إطار علمي مقترح لاستخدام المعلومات المحاسبية في تحقيق الشفافية و حوكمة الشركات ، رسالة دكتوراه في المحاسبة ، جامعة النيلين ، )الخرطوم ، 2008 م )، ص 135
[7] محمد مصطفى سليمان ، حوكمة الشركات ودور أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين ، الدار الجامعية، الإسكندرية 2008 م ، ص 35 .
[8] Kevin – Ke, Steve. Thord Mike. W, Corporate Governance, John Wiley & Sons, Ltd. (England, 2005), P 97.
[9] ممدوح أبو السعود ، دور المراجعة الداخلية في حوكمة الشركات، المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات ، القاهرة، 24- 26 سبتمبر 2005 م ، ص 10 .
[10] أشرف حنا مخائيل ، أهمية دور المراجعة الداخلية وأطرافها لضمان فعالية حوكمة الشركات ، المؤتمر الخامس ،حوكمة الشركات والمحاسبية والإدارية والاقتصادية، الإسكندرية ، 8 – 10 فبراير ، ص 187
[11] محمد مصطفى سليمان ، حوكمة الشركات ودور أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين ، مرجع سابق ، ص 35
[12] أحمد منير نجار، حوكمة مؤسسات الأعمال كأحد متطلبات عولمة النشاط الاقتصادي ، المؤتمر الدولي، عولمة الإدارة في عصر المعرفة ، جامعة الجنان، (لبنان ، طرابلس ، 17 - 15 ديسمبر 2012 - ) ص 6
[13] محمد مصطفى سليمان ، حوكمة الشركات ودور أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين ، مرجع سابق، ص 85