تلعب التكنولوجيا المالية الحديثة دوراً حاسماً في تعزيز الشفافية وتسهيل الوصول إلى الخدمات المالية للأفراد والشركات على حد سواء، هذا وتتبنى المملكة العربية السعودية رؤية طموحة لتحقيق التحول الرقمي في قطاع الخدمات المالية، وتعمل على تمكين الابتكار وتسريع تطوير خدمات المصرفية المفتوحة، وتهدف المملكة إلى تعزيز الاستدامة المالية وتشجيع المنافسة وتعزيز الخدمات المالية الشاملة، وأيضاً تعمل المملكة على تحقيق هذه الرؤية من خلال اتخاذ إجراءات جذرية وإنشاء بيئة تشريعية وتنظيمية ملائمة لتعزيز الابتكار وتسهيل تطوير خدمات المصرفية المفتوحة، بحيث تم تبسيط الإجراءات وتحسين الأنظمة واللوائح المتعلقة بالتكنولوجيا المالية والمصرفية المفتوحة، بهدف جذب الاستثمارات وتمكين الشركات والمبتكرين لتقديم حلول مبتكرة في قطاع الخدمات المالية.
ويكمن أهمية ذلك الاهتمام في تحقيق العديد من الفوائد، أولاً يتيح تسريع تطوير خدمات المصرفية المفتوحة للأفراد والشركات الوصول إلى خدمات مالية مبتكرة ومتقدمة، مما يسهم في تحسين التخطيط المالي وتعزيز أعمال الشركات وتيسير الحياة المالية للأفراد، ثانياً يعزز هذا الاهتمام بالابتكار وخدمات المصرفية المفتوحة الثقة في النظام المالي ويعزز الشفافية ومكافحة عمليات الاحتيال وغسل الأموال، وأخيراً يعزز هذا التوجه الابتكاري الشديد التعاون والشراكات بين الشركات المالية والتكنولوجية، ويعزز مكانة المملكة العربية السعودية كوجهة استثمارية جاذبة للشركات العالمية في مجال التكنولوجيا والتقنية المالية.
باختصار يمكننا القول بأن اهتمام المملكة العربية السعودية بتمكين الابتكار وتسريع تطوير خدمات المصرفية المفتوحة يعكس رؤيتها الاستراتيجية في تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز الاستدامة المالية، فمن خلال خلق بيئة تشجيعية للابتكار والاستثمار في التكنولوجيا المالية، تسعى المملكة إلى تعزيز الشفافية وتحسين الخدمات المالية وتمكين الأفراد والشركات من الوصول إلى حلول مالية مبتكرة ومتقدمة، ومع استمرار الجهود الحكومية في تبسيط الإجراءات وتحسين البنية التحتية التكنولوجية، يمكننا أن نتوقع مستقبلاً واعداً للابتكار المالي وتطوير خدمات المصرفية المفتوحة في المملكة، وعلى أثر ما تقدم وجهنا اهتمامنا في مكتب محمد بن عفيف للمحاماة إلى بيان بعض النقاط الهامة للمستثمرين بشأن المصرفية المفتوحة، وفقاً لما جاء في سياسة المصرفية المفتوحة الصادرة عن البنك المركزي السعودي.
تجدر الإشارة إلى أنه تعد المصرفية المفتوحة في المملكة العربية السعودية ابتكاراً تقنياً يمكن العملاء من مشاركة بياناتهم بأمان مع طرف ثالث، مما يؤدي إلى فتح المجال أمام ابتكار وتقديم خدمات مالية جديدة، وبصورة أخرى تعرف المصرفية المفتوحة في السعودية بأنها القوة الدافعة للابتكار في الصناعة المصرفية في المملكة، من خلال الاعتماد على الشبكات بدلاً من المركزية، يمكن أن تساعد الخدمات المصرفية المفتوحة عملاء الخدمات المالية على مشاركة بياناتهم المالية بشكل آمن مع المؤسسات المالية الأخرى، حيث أطلق البنك المركزي السعودي إطار عمل للخدمات المصرفية المفتوحة في المملكة العربية السعودية، مما يسمح بتوجه جديد بشكل كبير لقطاع معروف أكثر بتفانيه في الاستقرار بدلاً من التغيير والابتكار.
هذا وقد ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من شركات التقنية المالية التي قدمت نماذج أعمال جديدة من خلال وصولها لبيانات العملاء لذا يرى البنك المركزي السعودي أن للمصرفية المفتوحة دور مهم في زيادة تطوير القطاع المالي في المملكة.
كما يجدر التنويه، بأنه تمثل المصرفية المفتوحة فرصة للأطراف المعنية للاستفادة من البيانات المرتبطة بالمعاملات المالية، وذلك للتوصل إلى طرق جديدة لإدارة الأموال، ومن ناحية أخرى يمكن للعملاء الاستفادة من أفضل المنتجات والخدمات المالية، بدءاً بدمج جميع الحسابات في لوحة تحكم واحدة، وانتهاءاً بإيجاد أنماط أكثر سلاسة في الأنشطة المصرفية اليومية، وتتم مشاركة البيانات بشكل أمن، ويتاح للعملاء اختيار إعطاء الموافقة للسماح للطرف الثالث من مزودي الخدمات بالوصول إلى المعلومات من خلال موافقة واضحة وصريحة.
وأيضاً تعزز المصرفية المفتوحة الثقة في كل من العملاء والمشاركين في السوق من البنوك وشركات التقنية المالية والجهات المالية الأخرى وأصحاب المصلحة، حيث تؤدي جميع هذه الأطراف دوراً محورياً في هذه الرحلة نحو الابتكار والشمول المالي.
تتمتع المملكة العربية السعودية بقطاع مصرفي مستقر ومرن وموثوق، يُعزى ذلك إلى الدور التنظيمي والإشرافي للبنك المركزي السعودي على النظام المصرفي ونظم المدفوعات لتعزيز مرونته وقدرته على الوفاء بالالتزامات المالية وتعزيز جودة خدماته، يرى البنك المركزي السعودي أن بإمكان المصرفية المفتوحة أن تدعم تطور القطاع المالي السعودي نظراً للمجموعة الواسعة من الفوائد المرتبطة بها.
كما تؤدي المصرفية المفتوحة إلى الابتكار المباشر من خلال تعزيز فرص تطوير منتجات وخدمات جديدة إما "ذاتياً" أو بالتعاون مع طرف ثالث لزيادة القيمة المقدمة من الجهات المالية وخلق مصادر إيرادات إضافية، على سبيل المثال قد تقوم البنوك وشركات التقنية المالية بتطوير تطبيقات مبتكرة تحلل بيانات المعاملات المالية بموافقة العميل وتقدم منتجات مخصصة تتعلق بأنماط وسلوك الاستهلاك لإفادة العملاء بعاداتهم المالية.
وأيضاً من المتوقع أن تؤدي المصرفية المفتوحة إلى زيادة التنافسية، وتقليل العوائق أمام دخول المشاركين الجدد إلى السوق، وتزويدهم بفهم أفضل لاحتياجات العملاء، بالإضافة إلى مساعدتهم على تصميم وتقديم خيارات مخصصة للعملاء بأسعار أكثر تنافسية.
كذلك ستعمل المصرفية المفتوحة أيضاً على زيادة الشمول المالي في المملكة العربية السعودية وذلك من خلال تطوير منتجات وخدمات مالية جديدة لفئات محددة من العملاء، ويمكن أن تعمل منتجات وخدمات المصرفية المفتوحة على توسيع نطاق الوصول إلى الائتمان لجزء أكبر من الأفراد، وفي الوقت نفسه يمكن أن تساهم خدمات المصرفية المفتوحة في تحسين الوضع المالي ونشر الوعي المالي، ويشمل ذلك مساعدة العملاء ذوي الدخل المنخفض على تقليل النفقات غير الضرورية، وتحسين سلوكيات الادخار، وتشجيع العملاء بشكل عام على إدارة أموالهم بصورة أفضل.
تؤدي المصرفية المفتوحة إلى زيادة كفاءة النظام المصرفي، حيث يمكن للعملاء مشاركة بياناتهم المصرفية على الفور مع طرف ثالث، مما يعزز اعتماد الطرق الفعالة في إدارة معلوماتهم المالية وتنفيذ المعاملات إضافة إلى ذلك، قد تقلل التقنيات الجديدة من تكلفة الابتكار وبالتالي تسهل الشراكة مع أطراف أخرى من مزودي الخدمات.
تتألف رحلة تبني المصرفية المفتوحة من ثلاث مراحل منفصلة مرحلة (التصميم، التنفيذ، الإطلاق) كما يلي:
سيتم تكريس جهود البنك المركزي السعودي خلال الفترة القادمة لتصميم منظومة المصرفية المفتوحة التقنيات والعمليات، ووضع أطر الحكومة التي تنظم عمل المشاركين في السوق.
عند الانتهاء من مرحلة "تصميم منظومة المصرفية المفتوحة"، ستشمل مرحلة التنفيذ وضع أطر العمل المحددة والبنى التحتية للتقنية وأنشطة الإطلاق ومنها اختبار المنتجات والخدمات مع المشاركين في القطاع المالي، وتعزيز وعي العملاء.
ستبدأ مرحلة الإطلاق المنظومة المصرفية المفتوحة في المملكة باعتماد نهج تدريجي لدعم وتعزيز وعي العملاء، وضمان التحسين المستمر في تطوير البنية التحتية.
أطلق البنك المركزي السعودي معمل المصرفية المفتوحة (Open Banking Lab) ، وفق الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة (OpenBanking Framework)، الذي تم إصداره من قبل البنك المركزي في شهر نوفمبر 2022م، حيث يعتبر معمل المصرفية المفتوحة أحد أهم الممكنات التقنية لمنظومة المصرفية المفتوحة في المملكة، حيث يوفر المعمل بيئة تقنية اختبارية، لتمكين البنوك وشركات التقنية المالية من تطوير واختبار وتصريح خدمات المصرفية المفتوحة، لضمان التوافقية مع الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة، كما يهدف المعمل إلى تمكين الابتكار وتسريع تطوير خدمات المصرفية المفتوحة في المملكة.
هذا وتجدر الإشارة للعناصر الرئيسية لمعمل المصرفية المفتوحة في المملكة العربية السعودية، وهم كالآتي:
حيث يؤمن معمل المصرفية المفتوحة إمكانية محاكاة واجهات برمجة تطبيقات المصرفية المفتوحة للبنوك، لتمكين المشاركين في منظومة المصرفية المفتوحة من تطوير واختبار تطبيقاتهم في بيئة آمنة.
يوفر معمل المصرفية المفتوحة مجموعة واسعة من حالات استخدام المصرفية المفتوحة للأفراد والمؤسسات، كما يوفر المعمل بيانات افتراضية لتمكين اختبار التطبيقات.
يتيح معمل المصرفية المفتوحة لكافة المشاركين في منظومة المصرفية المفتوحة إمكانية الوصول إلى أدوات التصريح والمطابقة لاختبار وتصريح واجهات برمجة التطبيقات لضمان التوافق مع الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة.
البنك المركزي السعودي أعلن في شهر نوفمبر 2022م إصدار الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة، والذي يشتمل على مجموعة من التشريعات والأدلة التنظيمية والمعايير التقنية وفق أفضل الممارسات العالمية، لتمكين البنوك وشركات التقنية المالية من تقديم خدمات المصرفية المفتوحة في المملكة، هذا وبالنسبة للعناصر الرئيسية للإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة في المملكة العربية السعودية فهي كالآتي:
تعريفات للمصطلحات الرئيسية المستخدمة في الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة.
نظرة عامة على إطار تقييم خدمات المصرفية المفتوحة وتحديد أولوياتها، بالإضافة إلى تفاصيل حالات الاستخدام التي سيتم تمكينها في كل إصدار جديد.
توفر قواعد الأعمال توجيهات واضحة حول المتطلبات التي يجب الالتزام بها حتى تتمكن البنوك وشركات التقنية المالية من تقديم خدمات المصرفية المفتوحة، مع وجود بعض القواعد المتعلقة بحالات استخدام محددة.
تتكون هذه المعايير من إرشادات تجربة العميل ومواصفات واجهة برمجة التطبيقات ومتطلبات التنفيذ بالإضافة إلى الإرشادات التشغيلية.
صرح البنك المركزي السعودي "ساما" مؤخرا لعدد من شركات تقنية مالية جديدة للعمل تحت مظلة البيئة التجريبية التشريعية في مجال المصرفية المفتوحة، وهي: شركة بوابة ترابط لتقنية المعلومات، وشركة عمق الحلول للتجارة، وشركة تطبيق دراهم للتقنية المالية.
حيث بلغ بذلك إجمالي عدد شركات التقنية المالية التي تم التصريح لها من قِبل البنك المركزي ضمن البيئة التجريبية التشريعية 45 شركة، منها 18 شركة حصلت على الترخيص بعد نجاح فترة التجربة.
وتأتي هذه الخطوة؛ لتحقيق عدد من الأهداف الإستراتيجية المتمثلة في تعزيز وتنويع الابتكارات المقدمة في القطاع المالي، والنهوض بأنشطة الادخار والمدفوعات والاستثمار في القطاع، إلى جانب المساهمة في تعزيز مستوى الشمول المالي في المملكة والوعي المالي لدى فئات المجتمع كافة، وبما يتوافق مع مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي أحد برامج رؤية المملكة 2030.
كما ستسهم هذه الخطوة في تحقيق أهداف إستراتيجية التقنية المالية بأن تكون المملكة في مصاف الدول الرائدة في مجال التقنية المالية، ودعم تنمية الاقتصاد الوطني.
أوضح معالي رئيس مجلس هيئة السوق المالية رئيس مجلس أمناء الأكاديمية المالية خلال اختتام فعاليات "هاكاثون المصرفية المفتوحة 2024" الذي أقيم في الرياض فبراير 2024، أن سوق الخدمات المصرفية المفتوحة توسع بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، حيث يتوقع أن ينمو من 7 مليارات دولار في العام 2018 إلى قرابة 43 مليار دولار بحلول العام 2026، مشيراً إلى أن هذا النمو الكبير يعكس القبول المتزايد والتكامل لأطر عمل المصرفية المفتوحة على مستوى العالم، ويظهر الإمكانيات الكبيرة للابتكار في الخدمات المالية، كما يعد دليلاً على الدور الحاسم الذي تلعبه المصرفية المفتوحة في تشكيل مستقبل الخدمات المالية، بفضل قدرتها على تعزيز الشفافية، وتحسين تجربة العملاء، وتشجيع المنافسة العادلة والفعالة بين المؤسسات المالية.