إن ضمانات تنفيذ الإلتزام تعد من أهم الأحكام التي تضمنها أحدث أنظمة المملكة العربية السعودية وهو نظام المعاملات المدنية، والذي جاء ضمن الأنظمة التشريعية المتخصصة مما يكمل مسيرة المملكة في الوصول إلى رؤيتها لعام 2030، والجدير بالإشارة أن نظام المعاملات المدنية أوضح بداية ما هي الحالات المنشئة للالتزام في المملكة وأفرد أحكام لكلاً منها، ولكن الأهم هو التعرف على أثار تلك الالتزامات وتوضيح الضمانات التي كفلها النظام لتنفيذ تلك الالتزامات في المملكة، ومن هذا المنطلق سوف يكون محور هذا المقال توضيح أثار الالتزام في العقود وضمانات تنفيذها وفقاً لما جاء في نظام المعاملات المدنية.
أكد نظام المعاملات المدنية على أنه يجب على المدين تنفيذ التزامه عند استحقاقه، فإذا امتنع نفذ عليه جبراً متى استوفى التنفيذ الجبري شروطه النظامية، كما إنه إذا لم يستوف الالتزام الشروط النظامية لتنفيذه جبراً، يبقى قائماً في ذمة المدين ديانة، فإذا وفاه مختاراً كان وفاؤه صحيحاً ولا يُعد تبرعاً ولا دفعاً لغير المستحق، كما أن الالتزام القائم ديانة يُعد أساساً صالحاً لأن يبني عليه المدين التزاماً نظامياً.
وتجدر الإشارة إلى أنه يعد من أشكال تنفيذ الإلتزام المترتبة على نشأته في المملكة العربية السعودية الآتي بيانه:-
حيث يُجبر المدين بعد إعذاره على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً، ومن ناحية أخرى إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز للمحكمة بناءً على طلبه أن تقصر حق الدائن على اقتضاء التعويض إذا كان ذلك لا يلحق به ضرراً جسيماً.
وإذا تعلق الحق بشيء معين بالنوع لا بالذات، فإنه لا يختص بشيء بذاته من ذلك النوع إلا بإفرازه، وإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يحصل على شيء من هذا النوع على نفقة المدين بعد إذن المحكمة أو دون إذنها في حال الاستعجال، وذلك دون إخلال بحق الدائن في التعويض.
كما أن الالتزام بنقل حق عيني يتضمن الالتزام بتسليم الشيء والمحافظة عليه حتى تسليمه، فإذا لم يقم المدين بتسليمه حتى هلك أو تلف كانت تبعة ذلك عليه، وإذا كان محل الالتزام عملاً وتضمن تسليم شيء ولم يقم المدين بتسليمه بعد أن أعذر حتى هلك أو تلف، كانت تبعة ذلك عليه، ما لم يُثبت أن الهلاك أو التلف سيحدث ولو سلَّم الشيء للدائن.
وإذا كان الالتزام بعمل فتسري على تنفيذه الأحكام الآتية:
أ- إذا نص الاتفاق أو اقتضت طبيعة العمل أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين.
ب- إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يطلب إذناً من المحكمة في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكناً، ويجوز للدائن في حال الاستعجال تنفيذ الالتزام على نفقة المدين دون إذن المحكمة.
ج- يقوم حكم المحكمة مقام تنفيذ العمل إذا اقتضت ذلك طبيعة الالتزام.
وكذلك إذا كان المطلوب من المدين هو المحافظة على الشيء أو القيام بإدارته أو توخي الحيطة في تنفيذ التزامه، فإنه يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه عناية الشخص المعتاد ولو لم يتحقق الغرض المقصود، ما لم يقض نص نظامي بخلاف ذلك، أما إذا كان المطلوب هو تحقيق غاية فلا يُعد الوفاء حاصلاً إلا بتحقق تلك الغاية.
كما إنه إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام، كان للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام مع التعويض إذا كان له مقتضٍ، وله أن يطلب إذناً من المحكمة في القيام بهذه الإزالة على نفقة المدين.
حيث يحكم على المدين بالتعويض لعدم الوفاء إذا استحال التنفيذ عيناً، بما في ذلك أن يتأخر فيه المدين حتى يصبح غير مجدٍ للدائن، وللدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه عيناً أن يعين له مدة معقولة للتنفيذ، فإذا لم ينفذ جاز للدائن طلب التعويض لعدم الوفاء، كما إنه لا يحكم بالتعويض وفقاً للسابق، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بسبب لا يد له فيه، وإذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه وجب عليه تعويض الدائن عما يلحقه من ضرر بسبب التأخير، ما لم يثبت أن تأخير الوفاء بسبب لا يد له فيه، وإذا اشترك الدائن بخطئه في إحداث الضرر الناشئ عن عدم التنفيذ أو التأخر فيه أو زاد في ذلك الضرر، فأنه يسقط حقه أو بعض حقه في التعويض، وذلك بنسبة اشتراكه فيه.
والجدير بالإشارة، أنه يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من التعويض عن الضرر الناشئ عن عدم تنفيذ التزامه التعاقدي أو تأخره فيه، إلا ما يكون عن غش أو خطأ جسيم منه، ولا يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية المترتبة على الفعل الضار.
وكذلك يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة القوة القاهرة، كما أنه لا يُستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ما لم يوجد اتفاق أو نص نظامي بخلاف ذلك، كما أنه لا يشترط إعذار المدين في الحالات الآتية:
أ- إذا اتفق الطرفان صراحة أو ضمناً على عَد المدين معذراً بمجرد حلول الأجل.
ب- إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكنٍ أو غير مجد بفعل المدين.
ج- إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على الفعل الضار.
د- إذا كان محل الالتزام رد شيء تسلمه المدين دون حق وهو عالم بذلك.
هـ- إذا صرح المدين كتابةً بأنه لن ينفذ التزامه.
والإعذار يكون بأي وسيلة متفق عليها بين المتعاقدين، أو بأي وسيلة مقررة نظاماً للتبليغ، بما في ذلك رفع الدعوى أو أي إجراء قضائي آخر.
كما أنه يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً مقدار التعويض بالنص عليه في العقد أو في اتفاقٍ لاحقٍ، ما لم يكن محل الالتزام مبلغاً نقدياً، ولا يشترط لاستحقاق التعويض الإعذار.
والجدير بالذكر أنه لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، وللمحكمة بناءً على طلب المدين أن تنقص هذا التعويض إذا أثبت أن التعويض المتفق عليه كان مبالغاً فيه أو أن الالتزام الأصلي قد نُفذ جزء منه، وللمحكمة أيضاً بناءً على طلب الدائن أن تزيد هذا التعويض إلى ما يساوي الضرر إذا أثبت أن الضرر جاوز مقدار التعويض الاتفاقي نتيجة غش أو خطأ جسيم من المدين.
كما أنه إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو بنص نظامي، قدرته المحكمة وفقاً للأحكام الآتية:
تكون أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه، وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان، ولا أولوية لأحدهم إلا بنص نظامي، كما يجوز الاتفاق بين الدائنين على تحديد الأولوية في استيفاء الديون بما لا يتعارض مع النصوص النظامية.
كما أن لكل دائنٍ ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل حقوق مدينه إلا ما كان منها متصلاً بشخصه خاصةً أو غير قابلٍ للحجز، وذلك إذا لم يستعمل المدين هذه الحقوق وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة ديونه على أمواله، ولا يلزم لاستعمال الدائن حقوق مدينه إعذار هذا المدين، ولكن إذا رفعت دعوى باسم المدين وجب إدخاله فيها، كما يعد الدائن نائباً عن مدينه في استعمال حقوقه، وكل نفعٍ يعود من استعمال هذه الحقوق يكون من أموال المدين وضماناً لجميع دائنيه.
وإذا تصرف المدين تصرفاً ترتبت عليه زيادة ديونه على أمواله، فلكل دائن كان حقه مستحق الأداء وتضرر من التصرف طلب منع نفاذ هذا التصرف في حقه إذا كان التصرف تبرعاً، أو كان معاوضة والمدين وخلفه المعاوض يعلمان بإحاطة الدين، كما أن هذا الحكم أيضاً يسري على تصرف الخلف إذا كان تصرفه تبرعاً أو كان معاوضة والمتصرف إليه يعلم بإحاطة الدين، ولكل من تلقى حقاً من المدين الذي أحاطت ديونه بأمواله، أن يتخلص من دعوى منع نفاذ التصرف إذا أودع عوض المثل لدى الجهة التي يحددها وزير العدل.
كما أنه إذا تصرف المدين الذي أحاطت ديونه بأمواله تصرفاً لم يقصد منه إلا تفضيل دائن على آخر دون حق، فلا يترتب على ذلك إلا حرمان الدائن من هذه المزية، وإذا وفى المدين الذي أحاطت ديونه بأمواله أحد دائنيه قبل حلول الأجل كان للدائنين الآخرين طلب عدم نفاذ الوفاء في حقهم، أما إذا وفى المدين الدين بعد حلول الأجل، فلا يكون للدائنين طلب عدم نفاذ الوفاء إلا إذا كان قد تم بالتواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفى حقه.
وإذا ادعى الدائن إحاطة الدين بمال المدين فليس على الدائن إلا أن يثبت مقدار ما في ذمة المدين من ديون حالة، وللمدين أن يدفع دعوى الإحاطة إذا أثبت أن له أموالاً تساوي مقدار تلك الديون أو تزيد عليه.
وإذا قُضي بعدم نفاذ تصرف المدين الذي أحاطت ديونه بأمواله استفاد من ذلك جميع الدائنين الذين يضارون بهذا التصرف، كما إنه لا تُسمع دعوى عدم نفاذ التصرف بانقضاء سنة من تاريخ علم الدائن بسبب عدم النفاذ، ولا تُسمع الدعوى في جميع الأحوال بانقضاء عشر سنوات من تاريخ التصرف.
ومن ناحية أخرى، إذا أبرم عقد صوري، فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية، أن يتمسكوا بالعقد الصوري، ولهم أيضاً أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا صورية العقد الذي أضر بهم، وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر، كانت الأفضلية لمن تمسك بالعقد الظاهر، كما إذا ستر المتعاقدان عقداً حقيقياً بعقد ظاهر فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي.
ومن جانب أخر، يكون لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يوف بالتزام في ذمته نشأ بسبب التزام المدين وكان مرتبطاً به، ولم يقدم الدائن ضماناً كافياً للوفاء بهذا الالتزام، ولكل من أنفق على ملك غيره نفقات ضرورية أو نافعة وهو تحت يده بطريق مشروع أن يحبسه حتى يسترد ما هو مستحق له.
والجدير بالتنويه هنا أن من حبس شيئاً فعليه أن يحافظ عليه وأن يقدم حساباً عن غلته، وإذا كان الشيء المحبوس يخشى عليه من الهلاك أو التلف، أو طالت مدة حبسه عرفاً، فللحابس بيعهُ بعد إذن المحكمة، أو دون إذنها في حال الاستعجال وينتقل حقه في الحبس إلى ثمنه، بالإضافة إلى أن الحق في حبس الشيء لا يجعل للحابس أولوية في استيفاء حقه منه.
وينقضي الحق في الحبس بهلاك الشيء المحبوس، أو استيفاء الحابس حقه من مدينه، أو خروج الشيء من يد حابسه، ولحابس الشيء إذا خرج من يده دون علمه أو بالرغم من معارضته، أن يطلب من المحكمة استرداده خلال ثلاثين يوماً من التاريخ الذي علم فيه بخروجه من يده وقبل انقضاء سنة من تاريخ خروجه.