لا شك أن تحقيق العدالة هي أحد القيم الأساسية والمحورية التي تهتم بها المجتمعات، حيث تعد المحاكم هي الجهة النظامية المناط بها تحقق تلك العدالة بين الأشخاص، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن كل الأحكام الصادرة عن المحاكم تكون مرضية لأحد طرفي الخصومة، فقد يحدث بشكل غير متوقع أن تصدر أحكام غير مرضية للمدعي أو المدعى عليه، أو غير متوافقة مع الأنظمة المعمول بها في المملكة، بحيث يحق في مثل هذه الحالات للأشخاص الاعتراض على تلك الأحكام ومحاولة إصلاح الوضع بما يرضيهم ويحقق العادلة في ذات الوقت، فالأشخاص في المملكة يتمتعون بحرية الاعتراض على الأحكام الصادرة من المحاكم، ولكن هذا يتطلب منهم المعرفة الجيدة بضوابط هذا الاعتراض، وبخاصة الاعتراض بطريق نقض تلك الأحكام، فعلى سبيل المثال يعد الاعتراض على الأحكام الصادرة من المحاكم والبحث عن ضوابط نقض الأحكام القضائية أمراً حيوياً وضرورياً، وذلك لضمان تحقيق العدالة بين أطراف الدعاوى القضائية في المملكة العربية السعودية، وذلك وقفاً لما جاء في نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية واللائحة التنفيذية لطرق الاعتراض على الأحكام القضائية.
بداية الأمر، لا يجوز أن يعترض على الحكم إلا المحكوم عليه أو من لم يقضى له بكل طلباته، بمن في ذلك ولي القاصر وناظر الوقف ومن في حكمهم، ويجوز الاعتراض على الحكم ممن صدر الحكم ضده ولو لم يكن حاضرا أو موكلًا كقضايا الورثة، حسب طرق الاعتراض، كما أنه يجوز لمن قبل تدخله الاعتراض على الحكم الصادر ضد من تدخل معه ولو لم يعترض المحكوم عليه، وإذا كان الحكم صادرا ضد عدة أشخاص كالشركاء والورثة فيحق لكل واحد منهم الاعتراض.
ولا يجوز الاعتراض على الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها مثل: رفض الإدخال والتدخل والطلبات العارضة إلا مع الاعتراض على الحكم الصادر في الموضوع، ويجوز الاعتراض على الحكم الصادر بوقف الدعوى وعلى الأحكام الوقتية والمستعجلة والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص قبل الحكم في الموضوع، ويجوز في الدعاوى اليسيرة الاعتراض على الأحكام الصادرة بوقف الدعوى والأحكام الصادرة بعدم الاختصاص.
والجدير بالذكر أنه يجوز لأطراف الدعوى الاتفاق كتابة ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى نهائياً بحقهم، ويكون التمسك بهذا الاتفاق أثناء نظر الدعوى لدى محكمة الدرجة الأولى.
كذلك يجوز لمن له حق الاعتراض قبل رفع طلب الاعتراض أو بعده النزول عن حقه في الاعتراض بمذكرة يقدمها إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي تنظر الاعتراض بحسب الحال، وإذا نزل المعترض عن حقه في الاعتراض بعد رفع الطلب، قررت المحكمة في جميع الأحوال قبول ترك الخصومة في الاعتراض، هذا ويجدر التنويه إلى أنه يبدأ موعد الاعتراض على الحكم من تاريخ تسليم صورة صك الحكم إلى المحكوم عليه وأخذ توقيعه في الضبط، أو من التاريخ المحدد لتسلمها إن لم يحضر، فإن لم يحضر لتسلم صورة صك الحكم فتودع في ملف الدعوى في التاريخ نفسه مع إثبات ذلك في الضبط، ويعد الإيداع الذي يتم وفقًا لذلك بداية للموعد المقرر للاعتراض على الحكم، ويبدأ موعد الاعتراض على الحكم الغيابي أو الحكم الصادر تدقيقاً أمام المحكمة العليا من تاريخ تبليغه إلى الشخص المحكوم عليه أو وكيله.
وإذا كان المحكوم عليه سجينا أو موقوفاً فعلى الجهة المسئولة عنه إحضاره للمحكمة لتسلم صورة صك الحكم خلال المدة المحددة لتسلمها وكذلك إحضاره لتقديم اعتراضه في المدة المحددة لتقديم الاعتراض.
هذا ويقف سريان مدة الاعتراض بموت المعترض، أو بفقد أهليته للتقاضي، أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه، ويستمر الوقف حتى إبلاغ الحكم إلى الورثة أو مَنْ يمثلهم أو يزول العارض، ويكون تبليغ ورثة المعترض أو من يمثل من قام به العارض حسب إجراءات التبليغ المذكورة في نظام المرافعات الشرعية، فإذا تعذر التبليغ فيرفع الحكم لمحكمة الاستئناف لتدقيقه، وإذا زال العارض أو تبلغ ورثة المعترض أو من يمثل من قام به العارض بالحكم، فيستأنف سير مدة الاعتراض، ويحسب منها ما مضى قبل الوقف، إذا كان العارض يطول عادة، فللدائرة إقامة نائب عن المعترض في تقديم الاعتراض فقط، ويدون ذلك في ضبط القضية نفسها.
ومن جانب أخر إذا تعدد المحكوم عليهم، جاز لهم أن يقدموا مذكرة اعتراض واحدة أو مذكرة مستقلة لكل معترض، كما يجب على المعترض متابعة مواعيد القضية فور قيدها في المحكمة، كما أنه تتحقق المحكمة عند إحالة الاعتراض إليها من المسائل الأولية المتعلقة بالاختصاص، وشروط قبول طلب الاعتراض، و في الأحوال التي يُحدد فيها جلسة لنظر الاعتراض، لا يجوز تأجيل الجلسة إلا لسبب يقتضي ذلك ويثبت في محضرها، ولا تؤجل للسبب ذاته أكثر من مرة، ولا تزيد مدة التأجيل عن ثلاثين يوماً، ولا يزيد عدد الجلسات في القضية عن ثلاث جلسات، ما لم تقتض الضرورة خلاف ذلك، كما يجدر التنويه أيضاً إلى أنه لا يضار المعترض باعتراضه.
ويترتب على نقض الحكم إلغاء جميع القرارات والإجراءات اللاحقة للحكم المنقوض متى كان ذلك الحكم أساسًا لها، وإذا كان الحكم لم ينقض إلا في جزء منه، بقي نافذًا في أجزائه الأخرى ما لم تكن التجزئة غير ممكنة.
يجوز للمحكوم عليه الاعتراض بطلب النقض أمام المحكمة العليا على الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، متى كان محل الاعتراض على الحكم ما يلي:
وإذا كان محل الاعتراض مخالفة الحكم لمبدأ قضائي صادر من المحكمة العليا، أو أخذت به إحدى دوائر المحكمة العليا في قضايا سابقة، عُد اعتراضاً لمخالفة النظام، ولا يجوز في طلب النقض إبداء أسباب لم يسبق إبداؤها في الاستئناف، وكان ممكناً إبداؤها فيه.
كما يجب أن يرافق مذكرة الاعتراض الآتي:
1- صورة من الوثيقة التي تثبت صفة ممثل المعترض.
2- صورة من الحكم المعترض عليه، وصورة من حكم محكمة الدرجة الأولى.
3- المستندات التي تؤيد الاعتراض، وللمحكمة طلب ملف القضية أو ما تحتاجه منها عند الاقتضاء.
ويحصل الاعتراض بطلب النقض، بمذكرة تودع لدى إدارة محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم أو أيدته، ويجب أن تشتمل مذكرة الاعتراض على البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم، وعنوان كل منهم، وبيان الحكم المعترض عليه، ورقمه، وتاريخه، والأسباب التي بُني عليها الاعتراض، وطلبات المعترض، وتوقيعه، وتاريخ إيداع مذكرة الاعتراض، كما تقيد إدارة محكمة الاستئناف مذكرة الاعتراض في يوم إيداعها في السجل الخاص بذلك، وترفعها مع صورة ضبط القضية وجميع الأوراق إلى المحكمة العليا خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أيام من تاريخ انتهاء مدة الاعتراض، حيث تكون مدة الاعتراض بطلب النقض ثلاثين يوماً، ويستثنى من ذلك الأحكام الصادرة في المسائل المستعجلة فتكون خمسة عشر يوماً، فإذا لم يودع المعترض اعتراضه خلال هاتين المدتين سقط حقه في طلب النقض.
وإذا فات موعد الاعتراض، أو أُقيم على غير الأسباب المبينة في النظام، أو رأت المحكمة أن الاعتراض غير جائز أو غير مقبول، أمرت بعدم قبوله بقرار يثبت في المحضر، هذا وتجدر الإشارة إلى أنه لا يترتب على الاعتراض لدى المحكمة العليا وقف تنفيذ الحكم، ما لم ينص النظام على خلاف ذلك، وللمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم مؤقتاً إذا طلب ذلك في مذكرة الاعتراض وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه، ولها عنـدما تأمر بوقـف التنفيذ أن توجب تقـديم ضـمان، أو كفيل غارم مليء أو تأمر بما تراه كفيلاً بحفظ حق المعترض عليه.
كما أنه تنظر المحكمة العليا الشروط الشكلية في الاعتراض، المتعلقة بأسماء الخصوم، وعنوان كل منهم، وبيان الحكم المعترض عليه، ورقمه، وتاريخه، والأسباب التي بُنِي عليها الاعتراض، وطلبات المعترض، وتوقيعه، وتاريخ إيداع مذكرة الاعتراض، وما إذا كان صادراً ممن له حق طلب النقض، ثم تقرر قبول الاعتراض أو عدم قبوله شكلاً، فإذا كان الاعتراض غير مقبول من حيث الشكل، فتصدر قراراً مستقلاً بذلك.
وأيضاً إذا اقتصرت مذكرة الاعتراض بطلب النقض على الإحالة إلى الأسباب الواردة في مذكرة الاعتراض لدى محكمة الاستئناف أو غيرها، فتعد المذكرة خالية من الأسباب، كما إذا لم يستوفي الاعتراض تحديد أسباب الاعتراض على الحكم، وموضعها منه، وبيان وجه المخالفة، وأثرها فيه، وما يبين سبق إبداء هذه الأسباب في الاستئناف أو عدم إمكان إبدائها فيه، حكمت المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبوله.
هذا ومن جانب أخر، للمعترض ضده تقديم مذكرة برده على مذكرة الاعتراض خلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه بمذكرة الاعتراض، أما بخصوص قبول النقض أو رفضه، وإذا فصلت المحكمة في الاعتراض برفضه أو نقض الحكم، بينت أسباب ذلك في حكمها، كما إنه إذا كان الحكم المنقوض صادراً بأي من الحالات الآتية:
أو كان الحكم بسقوط الحق في الاستئناف أو بعدم القبول، أحيل إلى الدائرة التي أصدرته في محكمة الاستئناف، وكذلك إذا نقضت المحكمة العليا الحكم لمخالفته قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني عينت المحكمة المختصة بالفصل في موضوعه.
وإذا قبلت المحكمة العليا الاعتراض شكلاً، فتفصل في موضوع الاعتراض استناداً إلى ما في الملف من الأوراق، دون أن تتناول وقائع القضية، فإن لم تقتنع بالأسباب التي بُني عليها الاعتراض أيدت الحكم، وإلا نقضت الحكم كله أو بعضه بحسب الحال مع ذكر المستند، وتعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد من غير من نظرها، فإن كان النقض للمرة الثانية وكان الموضوع بحالته صالحاً للحكم وجب عليها أن تحكم في الموضوع، ويكون حكمها نهائياً، بالإضافة إلى النطق بالحكم في جلسة علنية، كما أنه إذا أعيدت القضية بعد نقضها إلى المحكمة التي أصدرت الحكم، ولم يكن فيها سوى من حكم فيها، فيكلف رئيس المجلس الأعلى للقضاء من ينظرها في المحكمة نفسها، ولا يجوز التمسك أمام المحكمة العليا بسبب لم يرد في مذكرة الاعتراض، ما لم يكن السبب متعلقاً بالنظام العام، فتأخذ به المحكمة من تلقاء نفسها.