تعتبر العقود من أهم مصادر الإلتزام التي تنشأ بسبب التعاملات بين الأشخاص أو الشركات، ولهذا تحرص المملكة على نفاذ تلك العقود وفق النهج السليم وضمان الحقوق التي تشملها تلك العقود والتأكيد على ضرورة الإلتزام بتنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين الأطراف، حيث أن العقد في الأصل ما هو إلا إتفاق بين شخصين أو أكثر يتم من خلال توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه، وبمعنى آخر يعد العقد توافق إرادتين على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها، كما أن للعقود المبرمة بين الأشخاص في أيا كان نوعها أو غرضها أركان وخصائص وأثار مترتبة، يجب أن تصاغ وفقها حتى لا تبطل، ومن ناحية أخرى ذات أهمية بالغة ولضمان كل ما تحتويه العقود من حقوق والتزامات وإنفاذها بين أطرافها الموقعين عليها ارتضاءً أصدرت المملكة العربية السعودية نظام التوثيق بموجب المرسوم الملكي رقم م/164 بتاريخ 19/11/1441هـ والذي يعتبر من أهم الأنظمة التي صدرت خلال الفترة السابقة حيث يهدف هذا النظام إلى تحسين العلاقات والبيئة التعاقدية داخل المملكة، وهو ما سيكون محور حديثنا في هذا المقال من حيث تعريف التوثيق، وبيان أهمية توثيق العقود، وبيان من هم الأشخاص المسموح لهم بتوثيق العقود في المملكة العربية السعودية.
جاء تعريف التوثيق في المادة الأولى من نظام التوثيق بأنه مجموعة الإجراءات التي تكفل إثبات الحق على وجه يصح الاحتجاج به، وهو ما يعمل على ضمان وحفظ حقوق أطراف العقد، ولا يقلل ذلك من الثقة التي تقوم عليها التعاملات ولكن هو سبيل للتقليل من النزاعات بين أطراف العقد وضبط العلاقة بينهما.
ومثال على ذلك مبادرة توثيق العقود التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهي برنامج إلكتروني يمكن أصحاب العمل من رفع وتحديث المعلومات الخاصة بعقود العاملين في القطاع الخاص، ويتيح للعاملين التحقق من صحة بيانات عقودهم، وتهدف المبادرة إلى حث المنشآت في القطاع الخاص على كتابة عقود لجميع موظفيها.
وكذلك توثيق عقد الإيجار من خلال منصة سكني، وهي خدمة تمكن المؤجر أو المستأجر أو من يمثلهما، من الموافقة على توثيق عقود الإيجار السكنية، والتي تم تسجيلها من خلال الوسيط العقاري في شبكة إيجار، حيث يجب مراجعة عقد الإيجار قبل الموافقة عليه وإتمام عملية التوثيق من خلال منصة سكني.
تظهر بوجه صريح أهمية توثيق العقود في المملكة عند النظر إلى مداخل وطرقات المحاكم، حيث تكثر العديد من الشكوى والدعاوى التي تنتج بسبب إبرام العقود، والتي تبرم في الكثير من الأحيان بناءً على وجود ثقة زائدة بين الأطراف أو الأغلب أنه تبرم بناء على التساهل، ولهذا جاء توثيق العقود بتعريفه الهام فهو وسيلة تكفل الحفاظ على حقوق أطراف العقد وتؤكد وتوثق ما عليهم من التزامات، حيث تكمن أهمية توثيق العقود من مراجعتها والتأكد من أنها أبرمت في شكل نظامي صحيح، ومثال على ذلك عقود الإذعان وهي من العقود الواجب توثيقها ومراجعتها جيداً لضمان حقوق الأطراف الذين يمكن استغلالهم، وعقود العمل، وعقود الإيجار، فخلاصة القول أن أهمية توثيق العقود هو التأكد من عدم مخالفة مقتضى العقد سواء للشريعة الإسلامية أو النظام العام والآداب العامة والأنظمة السارية في المملكة العربية السعودية.
والجدير بالإشارة أيضاً بخصوص أهمية توثيق العقود سواء التجارية أو المدنية أو العمالية أو حتى الزواج، هو التقليل من منع نشوب أية نزاعات بين أطراف العقد المبرم، كذلك تنظيم وضبط العلاقة التعاقدية بينهم، هذا بالإضافة إلى أن توثيق العقود يقضى على انتشار ظاهرة تحرير العقود الوهمية.
وكذلك تجدر الإشارة أيضاً أن أهمية توثيق العقود أكدتها مقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك وفق قول الله تعالى في سورة المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ"، كما أن الله عزل وجل حذرنا من مكوث العهد أو العقد بعد ميثاقه، وذلك في قوله في سورة الرعد "وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ".
ومن الآيات الكريمة التي نوهت عن أهمية توثيق العقود بين أطرافها، أية الدين في سورة البقرة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
هذا ومن ناحية أخرى بنيت المادة الحادية والأربعون من نظام التوثيق السعودي أنه يترتب على عملية التوثيق، أن يكون للوثائق الصادرة قوة الإثبات، وتعد سنداً تنفيذيًا فيما تضمنته من التزام، ويجب العمل بمضمونها أمام المحاكم بلا بينة إضافية ولا يجوز الطعن فيها، ولا تلغى الوثائق الصادرة وفق نظام التوثيق إلا بحكم قضائي تأسيساً على مخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية أو النظامية، أو تزويرها، وذلك بعد مرافعة مستكملة إجراءاتها الشرعية والنظامية.
تضمن نظام التوثيق ثلاث أشخاص مسموح لهم بمهمة توثيق العقود، وهم كما بينتهم المادة الأولى من نظام التوثيق (كاتب العدل، والموثق، والمأذون)، وفيما يلي سوف نوضح اختصاصات كلا منهم المتعلقة بتوثيق العقود:
بينت المادة الأولى من نظام التوثيق أن كاتب العدل هو موظف حكومي مؤهل تأهيلاً شرعياً، معين على وظيفة كاتب عدل، أو رئيس كتابة عدل، يختص بتوثيق العقود والإقرارات، وأوضحت المادة الحادية عشرة من نظام التوثيق والمادة الثامنة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التوثيق اختصاصات كاتب العدل في السعودية، حيث يختص كاتب العدل بتوثيق العقود والإقرارات، وله على وجه خاص توثيق ما يأتي:-
ومن ناحية أخرى أوضحت المادة الثانية عشرة من نظام التوثيق السعودي، لا يختص كاتب العدل بتوثيق أي إقرار أو عقد يكون أحد طرفيه قاصراً، أو غائباً، أو ناظر وقف أو وصية، إلا في الحالات الآتية:-
بينت المادة الأولى من نظام التوثيق أن الموثق من يقوم بأعمال التوثيق بموجب رخصة صادرة وفق أحكام النظام، كما بينت المادة الرابعة عشرة من نظام التوثيق، الشروط الواجب توافرها في الموثق، بحيث يشترط توفر الآتي:-
وأوضحت المادة الخامسة عشرة من نظام التوثيق، اختصاصات الموثق في السعودية، حيث يعهد للموثق ودون الإخلال بإختصاصات كاتب العدل ما يأتي:-
كما يجوز بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير العدل، أن يُعهد إلى الموثق بعض اختصاصات كاتب العدل الأخرى.
بينت المادة الأولى من نظام التوثيق أن المأذون هو من يقوم بتوثيق عقود النكاح بموجب رخصة صادرة وفق أحكام النظام، كما أوضحت المادة الثامنة عشرة من نظام التوثيق السعودي، بأنه يُعهد إلى المأذون بتوثيق عقود النكاح إذا كان كلا طرفيه سعوديين، أو غير سعوديين، بحيث يجب على المأذون وفق المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التوثيق مراعاة التحقق من أركان عقد النكاح وشروطه وإنتفاء موانعه، متطلباته النظامية وفق ما تبينه الأدلة الإجرائية.